كما
ان العوامل المعرفية تخصص و تقيد المعنى فانها ايضا تحدد المعنى الحاضر في
الاحتمال اللغوي، وهذا اهم عمل ووظيفة للتخاطب، حيث ان التخاطب لا يقبل التعدد بل
ويمنعه، فمهمها تعدد المعنى للفظ بحسب اصل اللغة فان الخطاب يوحده.
لذلك
يكون من المنطقي جدا و الوجداني جدا المنع من ارادة المعنى المعين بحق ذات معينة
اذا كانت هناك معارف تدل على امتناعها فيها . فمثلا دلت المعارف على نفي التشبيه
بحقه تعالى اي نفي ان يكون فيه شيء من صفات المخلوقين اي نفي ان يكون بينه و بينهم
تداخل شيئي لان ذلك كله يدخله في نظام الزمان و المكان وهو شبه مماثله. وحينما
ياتي لفظ متعدد المعنى بحسب اللغة و احد معانيه يعني تشبيها وماثلة من جهة من
الجهات فان هذا المعنى ممتنع ، كالوجه على حقيقة الوجه الجهوي الزمكاني و الاستواء
المكاني و الجهوية المكانية هذه كلها تشبيهات في معانيها لذلك فهي ممتنعة ولا يقال
انها معلومة المعنى مجهولة الحقيقة لان جوهر المعنى الذي يخطر في الذهن و يحضر
متقوم بالزمان و المكان وهي قوام الحدثية. ولا بد من افادة المعنى فهما هو على اقل
تقدير حضور جوهره فضلا عن حده الادنى، فهذه الصفات الحدثية التشبيهية ممتنعة عليه
تعالى في جوهر معانيها و اخطاراتها و حضورها الالتفاتي فضلا عن ادنى مقدار من
التعريف و المسمى و الحقيقة. لذلك في مثل هذه الحالة يصار الى احتمال معنوي اخر
باصل اللغة ان وجد وان لم يوجد يكون هناك قرينة معرفية على ان الاستعمال مجازي وان
المراد غير المعنى الوضعي بل المراد معنى استعمالي و بواسطة منظومة المعارف يتوصل
اليه.
وهذه
الحالة التي تدل القرينة على ارادة المجاز اي معنى استعمالي غير المعنى الوضعي
ليست من المتشابه لان المجاز هو ظاهر فيكون هو المراد فلا يتوفر فيه شرط المتشابه
الذي يكون ظاهره غير المراد. فالمجاز في الاستعمال المجازي ظاهر لغوي و ليس توجيها
لغويا لكن المجاز احيانا يكون بقرينة داخلة نصية و اخرى بقرينة معرفية خارجية.
فالخلاصة
امتناع محتمل معنوي وضعي في المشترك بفعل قرينة معرفية غير لغوية تام، و حمل اللفظ
على المجاز و على معنى استعمالي غير الوضعي بقرينة معرفية غير لغوية ايضا تام.
ان
اساس الفهم الصحيح للنص هو التمييز بين الفهم اللغوي و الفهم التخاطبي، فالفهم
اللغوي يعتمد اصل اللغة والقاموس الا ان الكلام لا يبنى وفق ذلك انما الاصل اللغوي
هو مقدمة لبناء الكلام والكلام يبنى على اصول التخاطب و التخاطب يوجه دلالات
الكلام فيه عوامل كثيرة جدا واضحة للوجدان و راسخة تستحضر بسرعة كبيرة بحيث لا
يحتاج في مثلها الا الى الارتكاز التخاطبي.
وابسط
دليل ان الكتابة المعاصرة خالية من التشكيل لكننا نفهم معنى واحدا من الكلام رغم
احتمال تعدده بتعدد التشكيلات.