الأربعاء، 25 مارس 2020

آلية عرض المضامين على المعارف الشرعية الثابتة


حينما يبلغ الانسان حديث اي مضمون فان هذا المضمون له معنى حكمي (علاقة) تختص بالموضوع والمحمول، ويلاحظ فيه ثلاثة أطراف المحمول والموضوع والنسبة، وكل واحد من هذه الاطراف سواء كان مفردا ام مركبا فان له دائرة معنى في المعارف الثابتة تكون حاله في هذه العلاقة معروضة عليها. طبعا هنا يعامل النص الشرعي من حيث المصدر معاملة واحدة باعتبار وحدة المصدر، فيكون النظر الى المتن بشكل خاص، نعم إذا كان في المتن اخبار عن حالة تتعلق بالقائل من الاولياء صلوات الله عليهم فانه ايضا هذا يكون موضوعا للرد.
ان العقل البشري كفوء جدا في الرد المعرفي ككفاءته في تحصيل المعنى من النص، رغم تعدد جوانب الملاحظة والمعاني التي تحضر عند الرد، وغالبا ما يحصل الرد مباشرة عند تلقي المعنى فيكون هناك قبول او ارتياب او عدم تبين الحال. وهذا يعود لسببين اولا كفاءة العقل في الرد وثانيا رسوخ المعارف الثابتة بخصوص المعارف وخصوصا المعارف الدينية.
بعد سلامة التركيب ووضح المعنى وتحصيله بطريقة عرفية عقلانية واضحة تحصل عملية الرد والتي قد تحصل مبشرة ولو تعمد الانسان ورسخ فكرة الرد في نفسه فان الرد المعرفي سيكون مقترنا بالفهم وسيكون جزء من عملية تقبل المعرفة المحمولة بالنص.
ولا ريب ان هذه ممارسة عقلية فيختلف فيها المبتدئ عن المتمرس وكلما كثرة الممارسة صار الانسان أكثر تمرسا بالرد حتى يصال الى قدرة عالية من الرد لا تتخلف الا قليلا. التخلف الردي يحتاج الى تحليل ومراجعة وهو شيء وارد حتى عند أكثر المتمرسين بالرد. وعلى كل حال الرد عملية عفوية عرفية عقلائية بسيطة الا انه احيانا يلتفت اليها وتعتبر واحيانا لا يلتفت اليها. منهج العرض وتقييم النصوص بالعرض يعني الالتفات الى عملية الرد وليس القيام بها في الواقع.
وكبيان شارح لما هو عفوي وجداني فان العقل يدرك ويلاحظ ما لديه من معارف بخصوص العلاقة بين الاطراف في النص الذي بلغه سمعا او قراءة وهو النص المعروض اي المعرفة المعروضة، فهو نص متلقى ومعرفة متلقاة ونص معروض ومعرفة معروضة. وبتعبير معهود هو ما بلغ القارئ او السامع من حديث، فهو حديث مقروء او حديث مسموع او حديث معروض وهو الحديث الذي بلغ القارئ او المستمع.
قد بينت في منسابات كثيرة ان العرض يكون للمعرفة الظنية، وهنا امران الاول الظنية للكلام المنقول لها جهتان الاول ظنية النقل وظنية الدلالة، اما ظنية النقل فهي مختصة بالحديث ظني الصدور واما آيات القران والسنة المتفق عليها فليست موضوعا للعرض بل هي ما يعرض عليه. والغرض هنا اخراج الحديث الظني الى حالة العلم فيصبح حديثا معلوما بالتصديق والشواهد.
واما من جهة الفهم فالمعروض ايضا الفهم الظني، فالفهم فهمان فهم قطعي متفق عليه بين المسلمين له أصل عرفي وعقلائي ومعرفي وفهم لا يتصف بذلك، الفهم المتفق عليه لا يعرض بل هو ما يعرض عليه هو المعرفة المعروض عليها غيرها، وانما العرض للفهم الظني. وهذا الفهم الظني قد يكون لنص قطعي كآية او حديث ثابت او لنص ظني كحديث ظني الصدور.
والحديث هنا عن الحديث اي المضمون الظني صدورا، واما باقي الاقسام فلها مواضع اخرنا. حينما يبلغنا مضمون ظني الصدور، فإننا واثناء بناء الكلام واستفادة المعنى يحصل استحضار للمعنى و علاقاته و دوائره بشكل اجمالي و لما هو راسخ منه، ومباشرة بعد اكتمال المعنى و تمام عملية الفهم يحصل رد ’لي الى ما هو معلوم عنه، اي عن العلاقة ، اي عن اطرافها من موضوع ومحمول وما يتعلق بذلك و يتفرع منه من صفات او شروط او قيود نحو ذلك من اغراض و اساليب، و في الشريعة يستحضر معرفتان مهمتان في الاعتقادات و الاعمال، فإما في الاعتقادات فيستحضر غيبية المعرفة او ظاهريتها و في الاعمال يستحضر لزوم المعرفة ام عدم لزومها.
حينما يبلغ العقل مضمون معين فانه يعرضه على ما يعرف، فان وجد له شاهدا ومصدقا من المعارف التي عنده سابقا فانه يقر ويذعن بالنقل والظاهر والا توقف او رفض المضمون. ان الاصل في النقل عند العقل هو الظن مهما كان حال النقل الا ان يبلغ درجة الاستقلال بحيث يتحقق علم اكيد نقلي والا فان الاصل في النقل الظن، فان وجد شاهدا ومصدقا صار علما واقر والا بقي ظنا. واما إذا وجد قرينة خلاف النقل فانه يصبح شكل وإذا ثبت عدم الصدور حكم بانه كذب، فالكذب لا بد فيه من علم ولا يكفي الظن. فالحديث اما ان يعلم انه صدق او يعلم انه كذب او يبقى ظنا سواء مشكوكا الصدق او مشكوك الكذب. الشاهد والمصدق المتني المعرفي هو الذي يجعل الحديث معلوم الصدق وهو المضمون الصحيح وحديثه الحديث الصحيح، واما غير ذلك فهو مضمون معتل وحديثه حديث معتل.