ان
من اهم صفات اللغة التي تجعلها محط تقدير هو ان معانيها الوجدانية لا تتغير الا
نادرا وببطء، بل لو قلنا انها لا تتغير الا من حيث كثرة الاستعمال وقلته للألفاظ
لكان صحيحا، واما المعاني فلا يبدو انها تتغير، لان نقل المعنى اللغوي يكون
بالتواتر العظيم الذي يحقق قطعية كبيرة تصل الى مساواتها بالعيان والشهود وهذا ما
لا يمكن تغييره بسهولة، الا انه يوجد حالات تتغير فيها المعاني والمفاهيم الا انها
لا تخل بالتخاطب، لان التخاطب ليس مبنيا على المعاني فقط وانما تدخل فيه المعارف. فلو اشتهر استعمال
لفظ في معنى وكان مشهورا في غيره في زمن اخر، فانه بلا ريب سيتسبب بارباك ان لم
ينظر الى الجهة المعرفية للخطاب، أي ان النص جاء ضمن منظومة معرفية معينة، كما ان
قلة الاستعمال وهجرانه قد يؤدي الى بعض الارباك الا انه ينحل بعاملين الاول هو
البعد المعرفي للكلام فلا يحمل على معنى لا يتوافق مع معنى زمن القول، والثاني ان
هناك التفاتا دقيقا للمخاطبين للنصوص القديمة ولا يمنع ان تكون لبعض كلماتها معان مشهورة
غير ما هو متعارف عندنا، الا ان الاصل في النص انه بالمعنى الوجداني المعاصر الا ان يكون هناك علم بانه ليس كذلك أي ان
الوجدان تغير. وهناك صفة اخرى مهمة في الكلام وفهمه وهو انه في الفهم والتفهيم
يصار دوما الى معان واسعة تشمل الكثير من الابعاد المفاهيمية ولذلك مهما تغيرت
المفاهيم فان المعنى الوجداني يبقى كما هو، وحينما يكون النص عاما و شعبيا وغير اختصاصي
كما في النص الشرعي فانه يبقى دوما قريبا للنفوس وحيا و موافقا للوجدان اللغوي
لحقيقة ان صدور النص بهذه الصفة من العامية و الشعبية والوجدانية يجعلها ملازما
للوجدان وهو ما لا يتغير الا نادرا
وطفيفا.