العقل يحكم بأدوات فردية الا ان رسوخ الاحكام العقلية الفكري أي الحسن
والقبح عميق وراسخ كعمق ورسوخ الشعور المادي، بل ان الخطأ المحتمل والمتصور في
الوسائل الادراكية المادية كالسمع والبصر غير متصورة في العقل ان كان صحيحا وسليما
وهذا وجداني وفطري ويعتمد عليه الصغير والكبير، بل ان العقل هي صفة الخلق وما
العقل الا معرفة النفع من الضرر والحسن من القبح. والعامل الفردي الذي يتدخل في
الحكم الفردي العقلي مهمل لان التخاطبية العقلية اقوى بكثير من التخاطبية اللغوية
فكما ان العقلاء يرجعون الى المتعارف اللغوي والتخاطبية للكلام فانهم أكثر رجوعا ولصوقا
بالمتعارف العقلي بالنسبة للإدراك والوجدان الانساني، بل يمكن القول ان الانسان
قائم على الوجدان والذي هو حقيقة عقل جمعي في الفرد. وجميع الانظمة التي يتعامل
بها الانسان مع الخارج انما يتعامل بوجدانه، وهذا الوجدان لا يخطئ لان احكامه
راسخة ولانه العقل الحاكم ولا يذعن الانسان لمعرفة الا ان يكون هناك سكون وجداني
والا ان يكون هناك علم. فاللغة و المعرفة و الافكار و الغريزة والتعايش و التعامل
مع الاشياء كلها يحكمها قوانين الوجدان الانساني و الذي هو العقل في واقع الامر.
لذلك من الفطرة والعرف والعقل والوجدان والشرع ان تكون الاحكام الشرعية عقلية والاحكام
العقلية شرعية. وان ما يتفق عليه الناس من احكام حسن وقبح هي احكام العقل السليم
الصريح، وليس كما يصور البعض ان الاحكام العقلية معارف عالية مجردة، بل هي أقرب ما
يكون لنفس الانسان، ولا يمكن للإنسان ان يقبل أي معرفة مخالفة للوجدان لانه من
خلاله يعرف ويعلم ويدرك فكيف يمكنه ان يكتسب معرفة تخالف ذلك بل يمكن القول ان ذلك
ممتنع عمليا وواقعيا لانه خلاف المنطق. فالمعارف الشرعية ليس فقط يعتبر فيها ان
تكون موافقة للعقل بل يمتنع ان تكون مخالفة للعقل ويمتنع للإنسان ان يعتقد او
يعتنق معرفة مخالفة للعقل.