العقل له طاقة كبيرة على ادراك الاشباء و المعارف، وهذه ميزة تكان تكون حرة في حدود ادوات الادراك، لكن الشيء المحدود و المقيد جدا هو قبول العقل لما يدرك، العقل لا يسلم لكل ما يدرك ويعتبره واقعا و انما يحتاج الى عوامل قبول لكي يحكم بواقعية المعرفة. هذه العوامل التعريفية للمعرفة ترجع الى عملية الرد و التوافق و التناسق المعرفي. فكل معرفة لكي تقبل لا بد ان يكون لها مكان مناسب في خريطة المعرفة العقلية و كلما كان انتماؤها و مكانها واضحا و سلسلا و عاديا و طبيعيا و اعتياديا كان القبول اكثر سرعة واكثر قوة حتى تصل الى حالة القطع بها و الا فانها تتدرج في العلم حتى تصل الى مرحلة الظن و من ثم الشك و الا فانها ستكون في حالة انكار عقلي للمعرفة.
اذن هناك فارق بين مجال الادراك العقلي و القبول العقلي فليس كل ما يدركه العقل يقبله ، و بينما عملية الادراك حرة وواسعة فان عملية القبول مقيدة وضيقة، و يمكن تصور ان المعرفة لا يقبلها العقل الا ان يكون لها مكان واضح في خريطة المعرفة، كما انه من الصعب استحداث مكان جديد مفاجئ وطارئ للمعرفة بل لا بد ان يكون هناك مكان خال لها لتسكن فيه.
ان اكتساب المعارف يؤدي الى كشف مساحات واسعة من العقل فارغة وخالية تقبل ما يمكن اكتسابه من معرفة مستقبلية مناسبة للمكتسب سابقا. بمعنى ان كل معرفة تكتسب فانها تصنع حولها محيطا معرفيا خاليا لاجل قبول ما يتوافق مععها، هذا العمل العقلي المرن و الكبير لا يجد مبررا لمعارف جديدة ليس لها مكان خال يناسبها صنعته معرفة سابقة.
ومن هنا نرى سهولة قبول المعارف الموافقة للقديم و صعوبة قبول المعارف المخالفة للقديم بل نجد الرفض لها احيانا. ولذلك يكون دور الادلة لاجل صناعة المكان. ويمكن القول انه ليس بمقدور العقل قبول معرفة ليس لها مكان سابقا، وهذا المكان اما ان تصنعه معرفة سابقة او تصنعه الادلة الحقة او انه يصنعه الاقناع الوهمي فتتحقق معرفة موهومة وحقول معرفية موهومة والتي سببها اولا مرونة صناعة المكان المعرفي و التساهل في الادلة الاثباتية وتجويز القفزة المعرفية بحيث تكون هناك فواصل واضحة بين المعارف.