ان التعامل العرفي و العقلائي قائم على المشاهدة والعيان وهذا هو اساس الصدق و مفهومه الواضح او المركزي، ولكن الايمان و التصديق بما له شواهد واثار ومصدقات من هذا الواقع يحقق صفة الصدق و الحق لما يغيب عن المشاهدة و العيان، ففي المعرفة البشرية هناك الصدق والحق العياني الشهودي وهناك الصدق و الحق الاثري الغيبي، و كما ان الاشياء او المعارف المشاهدية العيانية لا تختلف و لا تتناقض فان المعارق الحقة الغيبية الاثارية لا يصح ان تخالف او تناقض المعارف العيانية الشهودية، كما ان الحكم بصدق و حقيقية و واقعية المعارف الغيبية الاثارية هو وجود شواهد ومصدقات لها في عالم العيان والمشاهدة و الشرع يطلق عليها عادة الايات، فالواقع العقلائي بل والعقلي بل والفطري هو اما شهودي عياني حسي او غيبي اثاري ايماني. ودعوة الشريعة للايمان بالغيب الذي له ايات وشواهد في الواقع العياني الشهودي ليس من باب الاختبار بل من باب انه حق وصدق ولا موجب لانكاره.
ومن هنا فالفطرة البشرية و اليقين المعرفي الوجدان الانساني و الواقع العقلائي و المعارف العقلية تنقسم الى قسمين حقيقيين واضحين هما المعارف الشهودية العيانية و المعارف الغيبية الايمانية، وتاكيد الشرائع و الاديان السماوية عليها ليس لخلق و استحداث مفهوم جديد للفطرة و الواقع و اليقين و المعرفة بل لتاكيد وتقرير تلك المعرفة و التي هي مستند و حجة و اية الشرع في صدقه و حقائقيته. والعقول التي انكرت تلك الحقائق الايمانية الغيبة تعاني من قصور معرفي وخلل وجداني و تحيز معرفي و ادلجة تفكيرية وليس لان الايمان امر مخالف للحسي والمادي، فالمقابلة بين المادي الحسي و الغيبي الايماني مقابلة لا تتصف بالعقلانية وفيها تحيز وادلجة غير مبررة عقلائيا وان مال اليها كثير من منكر الغيب و الايمان.
ما موجود في المعارف الشرعية هو بالضبط كهذا النظام فهناك معارف دينية لها رسوخ عند المؤمن يلحقها بالشهود و العيان وهي محكم القران و قطعي السنة وهناك معارف دينية لها شواهد و ايات يكون وصفها وحالها حال المعارف الغيبية الايمانية الاياتية.
لقد اعتبر الشرع المصدقية المعرفية و الشواهد المعرفية للمضمون المنقول المنسوب للشرع كفيلة باخراجه من الظن الى العلم وان هذا العلم تصديقي وان المعرفة الحاصلة به صدق، فتلحق بالمعارف الصادقة بنفسها اي محكم القران و متفق السنة، فتكون المعارف الشرعية بحسب الشرع صادقة بنفسها او صادقة بالتصديق، وهذا ليس من التنزيل او التعبد او توسعة العلم و الصدق بل هو كشف واضاءة من المعرفة العرفية و العقلائية عميقة و راسخة في وجدان العقلاء وان كانت متاخرة عن المشاهدة والعيان.
ان العلم والواقع الشرعي المتحقق بمنهج العرض هو تصديق و بيان الشواهد و الحجج و الايات التي في المعارف الراسخة كالشهود و العيان اي قطعي القران و السنة على المعارف الاخرى التي هي بحال المعارف الغيبية و الايمانية.
وبهذا يتبين ان العلمية و الواقعية و اليقينية التي يحققها العرض والتوافق و التناسب هي علمية عقلائية عرفية وجدانية وفطرية و ويقيني و واقع عرفي عقلائي ووجداني فطري و ليس من استحداث في البين.