الأربعاء، 4 مارس 2020

المواضيع المعرفية والوانها و التاريخ المعرفي

ان العقل البشري لا يقر الا بالمعرفة المستقرة، و اما المعرفة القلقة فلا يقر بها مهما كانت مصادرها، ولاجل استقرار المعرفة في العقل لا بد ان تكون لها شواهد ومصدقات وان تكون في تناسق و توافق مع باقي حقول المعرفة. فعدم الشواهد وعدم المصدقات هو علامة المعرفة القليلة
ان الظاهرة الوجدانية الواضحة في تأثر العقل بالخبر و تداخله مع الادراك المباشرة يشير بقوة الى تداخل هذه المصادر عند العقل، واذا رجعنا الى وجداننا نجد ان العقل يتعامل مع الجميع بشكل وهو وهو (الخبر) فكل الوسائل والادوات الادراكية عند العقل واحدة وهي تنتهي الى عنصر واحد هو (الخبر) فكما ان الكلام يوصل معرفة نقلية خبرية الى العقل فان الحس و النظر و اللمس يصول معرفة خبرية الى العقل، فكل هذه اخبار .
ولذلك فان مادة المعرفة في العقل واحدة وهذا ما يعطيه الكفاءة في التحليل، و الذي يعمل فيه على تميز المعارف و تصنيفها، ورد كل معرفها الى ما يناسبها و يشابها في حقول معرفية.
يمكننا القول ان العقل يعرف الاشياء باعتبارها موضوعات اتصافية و يعتبر الاحوال باعتبارها صفات فالعقل مركز اهتمامه بالشيء بكونه موضوعا متصاف وعلى هذا الاشياء يميز بين الاشياء و يلونها بحسب الصفات كما انه يعطي لكل شيء احتمالا وتوقعا معرفيا بحسب حقله الاتصافي.
فالعقل يوزع الاشياء في حقول اتصافية، اذا جاء خبر او معرفة بصفة تنتمي الى لون اتصافية لا يتناسب مع اللون المعتاد لذلك الموضوع فان العقل يعتبر تلك المعرفة غريبة وشاذة.
ان الموضوعات الاتصافية بالنسبة للعقل قسمان قسم حر لا يكون هناك ضابط معرفي لسلوكه اي انه يجوز ان يكون في اي حقل اتصافي بحسب الامكان وليس بحسب العادة طبعا، و قسم اخر فيه تقييد اتصافي بانه لا يمكن ان يكون في لون اتصافي معين، و الانسان من النوع الاول اما الشرع فمن النوع الثاني، فينما يمكن للانسان بشكل عام ان يكون باي صفة لونية مع الاحتفاظ بالتوقع والعادة ، فان المعارف الشرعية لا يمكنها ان تكون في اي اتصاف لوني، لذلك حينما يكون انسان معين في وضع غريب و شاذ بالنسبة لتاريخه فان العقل لا يمنع من ذلك ولا يعتبره مرفوضا وانما يجعله في خانة الظن حتى يستقر قبوله او رفضه، و اما موضوعات المعارف المقيدة فموضوعات الشرع فانه اذا جاءت معرفة تصف موضوعا شرعيا مخالفا لاتصافها اللوني التعهدي فان العقل يرفضه ولا يقبله كمعرفة تجعل الشرع في خانة الظلم مثلا، فان العقل لا يقبل هكذا معرفة و يرفضها مباشرة بل يقطع بكذبها، بينما اذا جاءت معرفة تخبر ان انسانا صالحا ارتكب ظلما فان العقل يكون في حال الشاك و المتردد لكنه لا يمنع و لا ينفي  من دون تمييز. وهذا هو الفرق بين مركزية وقوة الرد المعرفي في الموضوعات الشرعية وما يشابهها من معارف لها دستور ومحور و تعهد اتصافي و بين الموضوعات الحرة التي يمكن ان تتباين في اتصافها والوانها.