الاثنين، 30 مارس 2020
صفات المعلم و المعلم الحاكم
عرفت ان العلم يتحصل من النص لمن اجاد اللغة وعرف اصول الشريعة الاساسية وهو متيسر لكل مسلم وفي حال قصور فانه يستعين بمن يجيد ذلك وهذا هو المطلوب في معلم الشريعة ولا شيء اخر، وبينت في محله ان فتوى المفتي هي تفريع للسنة ومعنى له فترجع اليها فالرجوع هو الى السنة و ليس الى المعلم، فيجوز اخذ العلم من كل معلم اجاد العربية وفهم النص.اما حكم المسلمين عند غياب الولي فانه لا بد ان يكون الاقرب في الصفات من الولي. وقد حصل خلط في هذا الشرط وفي شرط المعلم فجعلت شروط الحاكم الى شروط المعلم بينما المعلم لا يشترط فيه الا المعرفة بالنص وهي ممكنة لكل انسان، ومن هنا فلدينا صنفان من المعلمين في الاسلام المعلم المطلق وهو كل من يجيد اللغة وفهم النص و المعلم الحكم وهو بالاصل الولي من نبي او وصي و في حال غيبتهما يكون العالم الاقرب لهما بالصفات ما امكن ولا بد في حكم المعلم من اجتماع وليس بتفرد ولا استحقاق نفسي بل هو اجتماع وهو بالشورى فهناك فرق بين استحقاق الحكم وبين تولي الحكم ويصدق هذا امور عقلائية وعرفية كثيرة.
الاعتصام الفردي والاعتصام الجمعي
لا
ريب في ان الرجوع في المعرفة الى القران والسنة كفيل بعصمة المعرفة، الا انه وبسبب
العوامل الفردية قد يحصل اخفاق في معرفة الحق، ومن هناك يظهر الاختلاف وهو اختلاف
غير شرعي ناتج عن عدم صحة المعرفة و عدم اعتصامها، و هناك طرق علاجية وهي
التعاونية المعرفية واهم اشكالها و الاتفاق على الاسس و الانطلاق منها نحو التكامل
بالرجوع والاحتكام الى القران والسنة، وهذا يحتاج استعدادات عالية ولذلك كان من
المهم وجود جماعة اهل الحق الذين يقودهم من له تأثير في النفوس ومن لا يشك في علمه
فكانت الحاجة الى الوصي وهي نفسها الحاجة الى النبي لاجل هذا البعد الجمعي
للتصحيح، وهناك اشكال كثيرة لتدخل الوصي في التصحيح لكن اظهرها واكملها هو امتلاكه
الحكم والسلطة لان الطبيعة البشرية تحتاج الى هكذا نوع من النظام. فكانت الصورة
الشرعية للحكم هو توحد كرسي العالم و السلطان لان الغرض هو عدم الابتعاد عن
المعارف الحقة، فكان حكم النبي وحكم الوصي، لكن حيتنا لا تضع الامة الوصي في مكانه
لا بد الا يسقط الغرض ولا يتخلى الوصي عن وظيفته التصحيحة، وما يقال خلاف ذلك ليس
له شاهد. ولا ريب ان عدم تولي الوصي للحكم هو خسارة كبيرة في التصحيح الاجتماعي
والتعليم التام الا انه حينما لا يكون ذلك لا بد ان يبقى الاتصال موجودا بالوصي
وان من المعارف المصدقة والتي لها شاهد هو بلوغ اقصى درجات التكامل في جانبي التعليم
و الادارة ولان الادارة فرع التعليم فيكون المتعين هو بلوغ اقثصى درجات التكامل
المكنة في جهة التعليم أي في الحاكم والذي حينما يحتاج الى معرفة غير شريعة يستعين
بتحديد موضوعاتها الجزئية لردها الى العام الشرعي. ومن هنا يتبين ان كرسي الحاكم
للمسلمين في زمن غيبة الوصي هو للاقرب الى الولي في الصفات.
النقل الفرعي المعنوي للسنة
وسواء
نقل الناقل النص او معناه فهو نقل للمعرفة الشرعية ولا ريب ولا اشكال في جواز
اعتمادها وهذا ما يسمى تقليدا في عصرنا وهو ليس تقليدا بل هو تعلم، فانت تعلمت
المعرفة الشرعية معنى من المفتي الذي دلت القرائن عندك ان قوله مأخوذ من القرائن و
السنة و ينتهي اليها، والقرائن هو نسبته بحسب علمه الى القران و السنة و وجود شاهد
منهما عليه، ومن هنا ففتوى المفتي المنسوبة الى الشرع اذا كان لها شاهد ومصدق من المعارف
الثابتة فهي معرفة شرعية وهي ترجع الى السنة بالمعنى وانت حينما تأخذ بقول المفتي
في مسالة غير مذكورة بنص اصلي فانت تأخذ بالسنة لكن بالمعنى والتفريع ولا ريبا انه علم وشرع كما انك اذا علم
التفريع وعلمت العام الذي ينطبق على المسالة فرعت بلا اشكال ونسيته الى السنة بالتفريع
والمعنى وهو علم وشرع واذا تضيق الوقت عليك ولم يحضرك النص وجب الاستعانة بالغير
لمعرفة الفرع. ففتوى المفتي التفريعية نقل للسنة بالتفريع و المعنى ولا تختلف عن
نقل السنة باللفظ والاصل. واذا اختلف التفريع كان العلم والمعرفة فيما كان له شاهد
ومصدق من القران والسنة، ولا يقال انه يمكن ان تتعدد المعرفة التي لها شاهد لان
الاصول المعرفية في الشريعة تمنع هذا التعدد لوجود التعيين بالخصائص التي لا
تتساوى فيها المضامين حتما. ان الكشف المعرفي للاصول الشرعية عن الاتصال و
الانتماء المعرفي في غاية الكفاءة والماتناة والتقليل منه لا يصدر من مؤمن عارف
بدين الله حق معرفته.
افرادية المعارف الشرعية والاستفادة منها
وهذه
تتصف بخصائص انسانية وخصائص شرعية. واساسية المعرفة الشرعية وبنائيتها هو من جهة
الانتماء و التميز وليس من جهة الاسفادة و الانتاج فان اجتماع المعارف الشرعية في
كلي الشريعة تجمع افراد مستقلة في التأثير وان تشابهت بالغاية فهو اجتماع افرادي كل
فرد يستقل بالتاثير، وليس مجموعيا بحيث لا تاثير للفرد الا بوجود الجميع لا من حيث
الافادة الدليلبة ولا من حيث الامتثال العملي و التحقق العقائدي العلمي. ولان
مقدمات الاستفادة عرفية عقلائية واضحة ومتيسرة لكل احد فان اكتساب كل معرفة يحقق
تاثيرها الشرعي مباشرة وفورا دون انتظار اكتساب معرفة اخرى. وهذا الافرادية مهمة
جدا حتى في الامتثال فان من يمتثل عملا يحقق نتيجته الامتثالية وان لم يمتثل اخر
كما ان امتثال عمل لا يعني امتثال اخر بل يبقى الاخر بلا امتثال وهو كله موافق
للرحمة والعدالة. وهذه الوجدانية البسيطة في معرفة الشريعة و تحقيق غايتها من
الواضحات التي جعلت الاختصاصية و الكتلية و المجموعية منها امورا معقدة و غير
واضحة، بسب اعتبار مقدمات غير عرفية ولا عقلائية وجدانية في تحصيل الاستفادة من
المعرفة.
المنهج المتني واصالة صدق المسلم والمنهج السندي وظنية السند الصحيح
النقل
الشرعي نقل عرفي عقلائي فطري يعتمد في ثبوته ودلالته على الوجدان والعرف وطريقة
العقلاء في الاثبات نقلا ودلالة، ولذلك اعتمدت القرائن في اثباته بسبب المسافة
بيان المبلغ و المتلقي. ولحقيقة ان
المعارف الشرعية معارف متميزة وذات صبغة متميزة ولها توصيفات وخصائص فان النسبة
اليها لا بد ان تكون بصورة خصائصية و انتمائية وتشابهية وتماثيلة، وهذا هو جوهر
الاصطلاح ىالشرعية و تميزه الانسانية بانه ذا صورة وخصائص و تميزات معرفية خاصة
تعرف بالتشابه وعدم الاختلاف والتصديق. والنقل الاصل فيه الظن ، عرفا و عقلا، وليس
الشك كما يعتقد، وهناك اضافة اخرى وهي تقديم السلامة والصدق في خبر المسلم لاجل
الانتمائية والولائية، وهذا الاصل يعطي خبره درجة ظنية اكبر ولا يحقق علميته كما
يتصور البعض وجعل ان الاصل الصحة، بل الاصل هو تصديق المسلم في نقله أي عدم الشك
فيه و اعطائه درجة ظن اقوى لان اصالة صحة خبر المسلم وقبوله سواء مطالق او مع عدم
المانع بلا شاهد او مصدق، ومن هنا فمع هذه الظنية فان وجود شاهد من المعارف
الثابتة يثبت علمية خبر المسلم وهكذا خبر غيره مع الشاهد الواضح فيكون الخبر صحيحا
وهذه هي الصحة المتنية. وهذا هو المنهج المتني في قبول الخبر واما المنهج السندي
فوضع شروطا في الناقل كما انه قبل النقل بتلك الشروط النقلية السندية مع عدم
اعتبار وجود شاهد معرفي، وان عدم الشاهد تسبب في انقطاع الاتصال المعرفي ودخول
الظن في العلم لان النقل مهما قوي اذا لم يستقل بنفسه يبقى ظنا، والنقل الظني اذا
لم يجد شاهدا متنيا لا يحقق العلم.
المعارف الشرعية الاساسية و المعارف البنائية
ارتكاز
المعارف الشرعية على النقل، ومع ان الحقيقة الشرعية الراسخة تتباين قليلا مع
المنقول نفسه الا انها بشكل عام ترجع اليه. ومن النقل ما يستقل بنفس النقل في
اثبات معرفته وهو ما كان بنقل يعلم به انه روح الشريعة واصلها، و اما غير ذلك فهو
يعرف بانتمائه ورجوعه الى تلك المعارف حتى لو كان بنقل قطعي. وهذا شيء مهم جدا ،
بالتنبيه على ان النقل القطعي منه محوري اساسي ومنه انتمائي، والاخير يعرف بالرد و
الاتصال و التصديق و الشاهد بخلاف الاول، مع ان الاول يكون شاهده الفطرة والوجدان
و العمق الانساني. اذن فكل الشريعة لها مراجع وانتماءات و شواهد ومصدقات، فالاساسي
المحوري يصدقه الوجدان والعقل و الفطرة والعمق الانساني وهي الاصول الانسانية، لذلك
يحقق الايمان والانتمائي التفرعي من المحور يعرف بالتصديق والشاهد من الاصول
الانساني و الاصول الشرعية. ومن هنا فالمعرفة الشرعية قسمان الاول المحوري الاساسي
وهذا يتصف بخصائص انسانية و يعرف بشرعيته بنفسه، بالايمان بالنبي صلى الله عليه
واله وتصديق قوله. والقسم الثاني المعارف الانتمائية التفرعية التابعة للاصول و
الاسس فهي كالبناء فوق الاسس، وهذه تتصف بخصائص انسانية وخصائص شرعية.
المنهج العامي في الفهم الشرعي و التعليم الشرعي
النص
واحد و الاصول الاولية واحدة والطبيعة
البشرية واحد اذن لماذا اختصاصية الفهم؟ و النص لغوي و وفق طريقة اهل اللغة وطريقة
العرف في التفهيم و التوصيل اذا لماذا اختصاصية التعليم؟ والنص الشرعي والفهم
الشرعي بل والمعارف الشرعية وكل ما يتعلق بالشريعة هو راجع الى تلك الاسس الواضحة،
اذن لماذا اختصاصية الفهم و اختصاصية التعليم؟ وقلت ان المعارف الشرعية عامية لان
المصطلح الشرعي ليس مبنيا بطريقة غير شرعية ولا مبينا بطريقة خاصة ولا يحتاج الى
فهمه الى طريقة غير عرفية وغير وجدانية ولذلك فالمصطلح الشرعي عامي. ان المنهج
الذي يدعو الى عامية الفهم الشرعي ويقول بعامية الفهم الشرعي هو المنهج العامي
للفهم الشرعي في قبال المنهج الخاصية للفهم وان المنهج الذي يدعو الى عامية
التعليم الشرعي و يقول بعامية التعليم الشرعي هو المنهج العامي في التعليم الشرعي
في قبال المنهج الخاصية. الشريعة علم لكنها علم عامي عمومي و ليس علما خاصيّا
اختصاصيا.
عامية الاستدلال العلمي و اختصاصيته
في المعارف العامية
الوجدانية ادراك المعرفة يؤدي مباشرة الى التفرع و التحليل والتمكن و امتلاك
التفوق، وهو من جماليات الطبيعة و الحياة ، الا انه في المعارف الاختصاصية فانك
حتى لو اكتسبت المعرفة و اطلعت على الحقيقة فانك لا تتفوق و لا تمتلك اضافة
انتاجية ولا تتمكن من التحليل المضبوط في العلم الا بعد مرحلة. ان الاطلاع على
عناصر الادراك هو المادة الاولية للمعرفة وهي بمثابة الادلة في العلوم و في
الشريعة تتمثل بالنص اي القران و السنة، ومن الواضح ان المسلم يمكنه باي اية
يعرفها او حديث يعرفه يمكنه العمل به و الاعتماد عليه لان هذا هو لازم تعلمه و
الاطلاع عليه ومعرفته، اي انه يستدل بما عرف على ما يعمل او يعتقد ، بشرط التناسق
والتوافق، فالاستدلال طبيعي مباشرة لا يتأخر ولا يتخلف عن معرفة الدليل اي معرفة
اية او رواية فاذا عرف اية او رواية استدل بها على عقيدة او عمل لكن ما حصل في الجهة الاختصاصية التي حولت
الدين و الشريعة الى اختصاص لا بد فيه من
امتلاك مقدمات خاصة وخاصة جدا بعيدة عن اذهان العرف و خبراتهم و تحتاج الى تفرغ بل
والى مستويات عقلية معينة للنجاح في ضبطها منها اصول الفقه و الجرح و التعديل فمن
لا يعرف هذه العلوم الخاصة جدا و المدرسية و التتلمذية جدا فانه لا يمكنه ان يستدل
باية على عقيدة او عملا و لا بحديث على عقيدة او عمل. وهذا اخطر شيء حصل في تاريخ
الشريعة وفهم النص الشرعي.
الأحد، 29 مارس 2020
التعليم المعرفي الايماني و التعليم الجهلي الانكاري
التعليم
اما ان يتجه من الايمان والتسليم ومخاطبة عارف او الانكار والاقناع ومخااطبة جاهل ، و التاليفات العلمية اغلبها
حسب المنهج الثاني لكن الصحيح هو الاول وعلى هذا المنهج كان تاليف هذا الكتاب. فالتعليم الانكاري
الاقناعي تأجيلي أي الذي لا يعطي ثمرة الاكتساب الا بعد تمام المعرفة الجامعة هو ان
يبدأ بمعرفا النقل ثم الفهم الحاكم عليه ثم بمعارف العلم الحاكمة على الفهم ثم بمعارف
الحق الحاكمة على العلم وهو ناتج عن منطقية النكار والاقناع وهذا المنهج الـتأجيلي
الصعودي للتعلم هو احد اسباب الاختلاف وظهور المذاهب، والمنهج الصحيح هو المنهج التسليمي النزولي للتعلم بان يعطي ارسخ المعارف ثم يتفرع وهو ناتج عن منطقية الايمان و التسليم
ومل ينبغي في معارف الشرع هو المنهج التعليمي الايماني التسليمي النزولي التطويري.من
الواضح جدا أنك حينما تدرك حالة فأنك تستجيب لها بمعنى انها تحقق عندك علما وتحقق
عندك فعلا. وحينما يكون هناك مفاهيم معينة واعمال خاصة، فأنك وبفعل انتاجية
المعرفة تعمل بما علمت حتى تتكامل الصورة والمفهوم ولو أنك مت وقد عملت بما علمت
فانه يكفي. فالعقائد والفرائض ينبغي ان
تعلم بشكل اساسي ثم المسائل التفصيلية هي تأتي وحدها بهذه الطريقة يحصل العلم
التطويري ولذلك فان كل واجب عملي او كل عقيدة شرعية يكفي فيها نص أصل، ثم في جزء
اخر يحصل تفصيل أكثر ثم في جزء اخر يحصل تفصيل أكثر هكذا هي الطريقة السليمة
للاكتساب والمعرفة. وهذا ما ينبغي على المعلمين ان يفعلوه. ما حصل في المنهج
الاختصاصي و الكتلي هو تدوين المعارف التفصيلية والدقيقة الخاصة بالمسائل في مكان
واحد بل ودراستها ايضا وعلى المتعلم ان يتابع ولا يحصل على ثمرة انتاجية حتى يكمل كتابا
كامل في مسالة هي لا تحتاج الا الى معرفة بسيطة كأصل. وصار من غير الممكن الخروج
بثمرة واستفادة الا ان تجمع جميع التفاصيل عن المسالة الواقعية والفرضية ولا بد ان
تحيط بها ككل والا فانه سيكون لديك نقص لا يجوز لك العمل بما علمت. هذا غلو وافراط
في المعلومات. وأدى الى ان تصبح العلوم الشرعية سواء من جهة التفسير او الروايات
اشياء لا يمكن احصاؤها بل صارت حالة عجز عن الاحاطة بها وظهرت دعوات الاختصاصات
الشرعية الداخلية. وهذا من الغرائب.
اجتماعية العلم ومدرسية العلم
ان
الوجدان و الفطرة قائمة على نمو القدرة مع كل مقدار اكتساب معرفي وهذه هي خاصية
المعارف العامة فهي اجتماعية اختلاطيه ومن الواضح ان الشريعة من هذا النوع فكل اية
او حديث تعرفه يحقق عندك علما و قدرة على الفعل، اما المعارف الخاصة الاختصاصية
فان القدرة و التطور يتاخر عن لحظة الاكتساب بل يحتاج الى مجموعة من التعاليم و المعارف
ربما تحتاج الى وقت طويلة وهذه هي المدرسية . فالمعرفة المدرسية لا تمكن المتعلم
من القدرة الا بعد عبور مرحلة معينة من المعرفة والتتلمذ، وهذا لا يوجد في المعارف
العامة بل ان المتعلم يمتلك القدرة بكل معلومة يكتسبها ضمن وجوده الاجتماعي
الطبيعي و مخالطته العالم مخالطة اجتماعية فلا يحتاج الى التفرغ المدرسي بل يكفي
مجرد الاختلاط و الاجتماع ولا يحتاج الى مراحل ومن الواضح ان الشريعة هو من هذا
النوع الا ان ادخال الاختصاصية في علم الشريعة حوله الى تتلمذ و مدرسية.واحتاج الى
تفرغ وتفرغ طويلة مخالف للاجتماعية والاختلاطية فصار المختصون خاصون لانه ليس كل
الناس يتفرغ و يتتلمذ.
عامية التعليم و اختصاصيته
في المعارف العامة القدرة على التحليل والرد و
الاذعان و الاكتساب و الاستفادة و الاعتقاد و العمل بما يعرف يتحقق بشكل فوري لا
يتخلف عن اكتساب المعرفة أي معطياتها وعناصرها الخارجية، لان التحليل العقلي ملازم
للإدراك العقلي، ولذلك فالقدرات تتطور بكل لحظة اكتساب وتنتج فورا فيكون من التعلم
العام أي الذي لا يحتاج الى اسلوب خاص بل هو ضمن الحياة و طبيعتها و ضمن الممارسات
فلا يحتاج الى مقدمات خاصة و لا الى مدرسية خاصة ولا الى مرحلية ولا الى استدلال
خاص ولا تأخر القدرة الانتاجية بعد الاكتساب. وهذا كله يؤدي الى عامية المعرفة كما
هي التي عيلها حياتنا فنحن نتعلم من الحياة بالاختلاط و الاجتماع دون تفرغ او
انقطاع لبل ضمن عيشنا و ممارسة اعملنا، التعليم الديني يكفي فيه ذلك لان مصادره
وادلته معرفية عامية تمكن من الانتاج بمجرد الاكتساب فيبني عقيدة على اية و يبني
علما على حديث، ولا يتأخر العمل والعلم عن معرفة الآية او الرواية فمتى ما اخذها
عمل بها فكفى في ذلك الاختلاط و الاجتماع من دون دراع للتفرغ و الانقطاع، ما حصل
في المنهج الاختصاصي انه حول التعليم الديني الشرعي الى حالة من التفرغ و الانقطاع
و الاجهاد و وصار مثل العلوم الاختصاصي الاخرى و اخرج من عاميته. لكن الحقيقة ان علم
الشريعة الذي في مدينة و بينه بين مدينة و بينه مسافة يكفي فيه ان يذهب شخص فيتعلم
او ياتي شخص متعلم فيعلم الناس وهو بينهم
ومعهم يعيش بينهم من دون ان ينعزل او يفتح مدرسة او مؤسسة او أي شكل من تلك
الاشكال كما ان على الناس كلهم ان يتعلموا منه لان التعليم الشرعي عامي ، لكن ما
حصل قطعت هذه السلسة فصار العالم يعلم طالبا علما تخصصيا لا يتمكن الطالب من
امتلاك أي قدرة الا بعد سنوات طويلة من التفرغ و الانقطاع فأما ان يتمكن او لا
يتمكن من العمل بعلمه لا يتناسب مع توجه الخطاب الشرعي الى كل احد.
عامية المصطلح واختصاصيته
في
الحقيقة وضع الاسم للمسمى هو شكل من الاصطلاح، وما هو واضح في وجداننا ان الاسم
يحتاج الى مسمى ولا يخطر بالبال اسم مع عدم مسمى فالكلمات الاصلية في المعنى دائما
تكون متأخرة عن المعنى لكن بعد ان يتحدد المعنى لاسم يمكن للعقل الاشتقاق منه.
ويوضع الاسم ليكون علامة على المعنى لكي يحصل توصيل الفكرة من خلاله ، فالبعد للتسمية
تخاطبي و التخاطبية تعني الاصطلاح، أي التواضع على وضع اسم او علامة للاشارة الى
معنى، وبهذا البيان يتبين وضوح اصطلاحية الاسماء و مفاهيمية المعاني، فالمعاني
كلها مصطلحات ولذلك في غير المشتقات اللفظية فان معرفة المعنى الاصلي من اللفظ يحتاج
الى تعلم ولو بالاستعمال فلا يشترط تعليم الوضع. وهناك مفاهيم ظاهرة جدا للعرف
يستعملها دون تكلف ولا اختصاص بجهة فهي مفاهيم عامة والفاظها هي مصطلحات عامة،
فالمصطلحات العامة لا توجب الاختصاص ولا تخرج الخطاب من وجدانيته وعرفيته وعاميته.
لكن هناك مفاهيم خاصة وبعضها دقيق وبعضها تمييزه يحتاج الى مقدمات وشروح وهذا هو
المصطلح التخصصي وهو الذي يخرج الخطاب من عمومه الى الخصوصية.
عامية التعبير واختصاصية التعبير
هناك
خلط بين العلم والاختصاص، فالعلم اعم من الاختصاص فانه يمكن ان يكون العلم
اختصاصيا ويمكن ان يكون عاميا فالعلم هو نظام متناسق متميز من المعارف أي المفاهيم،
ويعتمد عمومه وخصوصه على طريقة بيانه فان كان البيان بطريقة عرفية وجدانية كان
العلم عاميا كما هو الشرع وان كان البيان بطريقة خاصة لا يتقنها الا مختص فهو علم
اختصاصي. والتعبير الخاص سببه وضع منهجية خاصة للتعبير وطريقة من تنظيم المصطلحات واستعمال
مصطلحات خاصة دقيقة، وهذا هو جوهر الخصوصية التي تحتاج الى بيانات مطولة، فالتعبير
الخاص هو تعبير بألفاظ تحتاج الى بيانات مطولة. وبينما كان الخطاب الشرعي عاميا
وهو دليل المعرفة الشرعية ومعتمد على وجدانيات الفهم والاستفادة في العلم والعمل،
فان المنهج الاختصاصي ادخل مصطلحات ومفاهيم صارت حاجزا بين الوجداني والعرفي
والعادي والطبيعي وبين الاستفادة، وفي الحقيقة هذه المفاهيم والمصطلحات الجديدة لا
تلغي الاستفادة الا انها تسلبها شرعيتها بحجة العلم.
السبت، 28 مارس 2020
التفسير الدلالي والتفسير الاستدلالي
لاجل كل ما تقدم كان هذا التفسير محاولة في التفسير المعرفي
برد وعرض كل بيان او توضيح تفسيري هنا على الثابت من معارف القران والسنة وان يكون
لها شاهد ومصدق منهما. وان يكون النقل والفهم علميين كما اسلفت. فهذا تفسير معرفي مستند الى الاصول اللغوية الوجدانية
العامة ومراع للجهات التخاطبية المتعارفة العقلانية والواقعية وموافقا للمعارف
الشرعية الثابتة وله شاهد ومصدق منها.
ان التفسير احيانا يكون مختصرا بذكر الدلالة النهائية
التفسيرية فقط وأحيانا يكون معه بيان وشرح لوجه الدلالة والاول هو التفسير الدلالي
والثاني هو التفسير الاستدلالي المطول. كما ان التفسير الدلالي قد يكون تفسيرا للضروري
وفق العصر والذي يحتاجه الغالب من الناس لمفاهيم او التعابير غير المألوفة وهو
التفسير الدلالي المختصر وقد يكون بتوسع في مواضع البيان والتي قد يتفاوت الناس في
فهمها اي على ابسط عارف باللغة وهو التفسير الدلالي المتوسط. وهذا التفسير ستعرف
انه مختصر بل مختصر جدا فان المعاني التي تعرف من اللغة او التي تعرف بالشرع عند
الغالب لم اتعرض لها فهو تفسير دلالي مختصر للغريب من التعبير.
علم النقل وعلم الفهم
الدلالة اللغوية للنص احيانا قد تكون اوسع من الدلالة التخاطبية
لان التخاطبية عملية وظيفية لا تقبل التعدد بل تفترض دلالة واحدة بينت المخاطب والمخاطب
ومخالفة ذلك يعد خللا تخاطبيا. فلا بد لاجل فهم علمي من احراز كون الفهم تخاطبيا
وليس لغويا فقط. كما ان الاصطلاحات
الشرعية قائمة على النقل فلا بد لاجل علم بالنقل العلم بصحة النسبة اي الصدور وليس
مجرد ادعاء نسبة. والعلم بالجهتين شرط في شرعية المعرفة لانه لا ظن في الشرع ولا
اعتبار بغير العلم، ومن هنا فللعلم بمعرفية المعرفة اي شرعيتها واتصالها لا بد من
احراز امرين من جهتين مختلفتين؛ اولا ان يكون الفهم معرفيا وليس لغويا فقطا، وهو
الفهم الذي يكون بأصول اللغة ومراجعها ويكون مرتكز الى معهودات الخطاب وما تعارف
بين المتخاطبين من معارف ثابتة اي له شاهد من المعارف الثابتة من القران والسنة. وقد
يعتقد ان هذا الفهم معقد والواقع ليس كذلك بل هذا هو الفهم الفطري الوجداني
السليم، والذي يفهمه كل من يجيد اللغة ويعرف الثوابت الاسلامية. وهذا شيء متحقق في
ابسط مسلم يدرك ويعي ما هو اساسي من اللغة والدين. والامر الثاني هو العلم بالنقل
وقد بينته مفصلا في مباحث منهج العرض لإثبات صحة النقل وان الصحيح هو معلوم الصدور
والعلم اما بالقطع او بالاطمئنان بموافقة المنقول للمعارف الثابتة من القران والسنة.
التفسير المعرفي والتفسير اللامعرفي
قد بينت في مباحث فهم النص الشرعي ان النص الشرعي نص تخاطبي
والنص التخاطبي يجب ان يفهم وفق بيئة فهمه وليس وفق اللغة او وفق علوم اخرى. وبيئة
النص الشرعي هو الوجدان العقلائي ومنه اللغوي والمعارف الشرعية، والمعارف الشرعية
هو ما يثبت من معارف القران والسنة. هذا المعارف متناسقة متسقة متوافقة لا تقبل
بالاختلاف او التناقض او الارباك او التشويش فلا اذعان الا لما يكون متصلا معها
معرفيا ويشبهها توجه وغاية وهذا هو الحص المعرفي للشريعة في واقع الامر، وهذه هي
معرفية المعرفية اي اتصالها بما يناسبها، وهذا الشرط او الصفة للشرع هو صفة
عقلائية فطرية وجدانية وليس فقط شرعية اصطلاحية جاءت بالنص الشرعي بانه يصدق بعضه
بعضا وانه لا اختلاف فيه وان ما وفق القران يؤخذ به وما خالفه لا يؤخذ به.
ان معرفة المعرفة واتصالها بما يشابهها ويوفقها شرط عقلائي
للاذعان و القبول وعليه جاء النص، وعدم الاعتناء بذلك و الاكتفاء بقرائن غير احراز
التوافق و التناسق و التصديق تكون المعرفة غير معرفة من هذه الجهة و يكون التفسير
للقران بحسب هكذا منهج وهو السائد تفسيرا لا معرفيا، ليس لانه بلا معرفة بل لانه
لم يعتمد تعريف المعرفة من حيث التوافق و التناسق و التصديق. والتفسير الذي يعتمد
عرض المعرفة التفسيرية على القران والسنة اي على علمهما الثابت فهو التفسير
المعرفي.
الاحكام المعرفي الاولي والثانوي
احكام النص يعني موافقة دلالته للمعارف الثابتة، وهو اما ان
يكون من الفهم الابتدائي التخاطبي وهذا هو الاحكام الاولي والمحكم هكذا هو المحكم المصطلح
او انه يكون بعد توجيه معرفي بسبب مخالفة ظاهره للمعارف الثابتة وهو التشابه المصطلح
فيرد ويحمل على معنى محكم وهذا هو الاحكام الثانوي، وبذلك يكون جميع آيات القران
محكمة حتى التي تكون متشابه في بداية الفهم. والدلالة الابتدائية هي الدلالة
الاولية بحسب اللغة والتخاطب ومن هنا فلا تعارض بين الانظمة التداخلية الدلالية
التي يجيزها العرف اللغوي لبناء تعابيره كالتخصيص والتقييد وكالاستعمالات البلاغية
من مجاز واساليب اخرى معروفة بالقران. كما ان التعريف المعرفي للمحكم والمتشابه
بان المحكم هو ما وافق ظاهره القران والسنة وتعريف المتشابه بان ما كان ظاهره
مخالفا لهما هو الحق الحقيق في المقام.
التعريف المعرفي للمحكم والمتشابه
حينما يوافق الفهم الابتدائي المعارف الثابتة من الوهلة
الاولى اي بالدلالة الظاهرية للنص بحسب اصول اللغة و التخاطب فانه يكون محكما بالأصل
وابتداء واما اذا كان ظاهر النص لا يوفق المعارف الشرعية الثابتة فانه يكون متشابها،
فيحمل على المعارف الثابتة اي توجه دلالته بالدلالة المحكم وهذا من رد المتشابه
الى المحكم، فتصبح الدلالة النهائية له محكمة وبهذا فجميع آيات القران محكمة حتى
ما تشابه منها اولا، و التشابه هو صفة بملاحظة حال المتلقي، كما انه امر طبيعي
بحقه مع وجود معارف يجب ردها لان العبارات و النصوص اقل من المعارف دوما فيحصل
تداخل تعبيري فيحصل التشابه عند من يضبط اصول الفهم.
الفهم القطعي والفهم الاطمئناني
الفهم المعرفي علم سواء كان نصا ام ظاهرا وسواء كان بالفهم
الاولي ام بالفهم النهائي وسواء كان بذات العبارة ام بفعل قرينة داخلية ام خارجيو،
هذا الفهم إذا كان معرفيا اي وافق المعارف الثابتة فهو علم، وكل فهم من هذا النوع إذا
لم يكن معرفيا اي خالف المعارف الثابتة فهو ظن. فالنص المخالف للمعارف الثابتة ظن
وان كان بنص قطعي الصدور كان متشابه يحمل على المعنى المحكم بلا اشكال، والمحكم بالإحكام
الثانوي بعد توجيه لغوية اسلوبي وتوجيه خطابي توفيقي وتوجيه معرفي ردي وعرضي، فان
هذا الفهم الموافقة بالتالي للمعارف الثابتة هو فهم علمي وليس ظنا. فعلمية الدلالة
وظنيتها ليس من حيث تعدد المعنى واتحاده بل من حيث موافقتها للثابت من معارف، وكلما
كانت الدلالة ذات طريق أقصر للتوافق المعرفي كانت أكثر علمية حتى تبلغ العلم
القطعي، وكلما كانت ذات طريق اطول كانت اقل علما حتى تبلغ العلم الاطمئناني. فالفهم
العلمي القطعي هو الفهم الموافق للثوابت لعملية دلالية قصيرة نسبيا تصل الى حد
التبادر من اللفظ ، اي التوافق المعرفي يتبادر من اللفظ، و الفهم العلمي
الاطمئناني هو الفهم الذي يحتاج الى طريق اطول لتحقيق التوافق المعرفي من حيث
التوجيه الدلالي. ولا بد ان يكون الفهم والتوجيه الدلالي دوما وفق طريقة العقلاء و
عرفهم ووجدانهم.
الفهم الابتدائي والفهم النهائي
ان ظاهر الآيات لا يكون حجة الا ان يكون له شاهد معرفي
ومصدق وهذا ما قصدناه بالتفسير المعرفي. فكل فهم ظاهري سواء كان لغويا وجدانيا عاما
ام اصطلاحيا خاصا مستحدثا في الشرع والوحي فانه لا بد يكون له شاهد ومصدق من
المعارف الثابتة المستفادة من القران والسنة للعمل به واعتماد. ومن هنا فكل فهم نفهمه
ابتداء من الآيات نعرضه على القران والسنة اي المعارفة الثابتة المعلومة الراسخة
في النفوس من القران والسنة، فان وافقها وكان له شاهد منها اخذ به والا حمل على
معنى الثوابت وهو المحكم وهذا هو الفهم النهائي لان الفهم الابتدائي ظن، والظن لا
يصح العمل به، وليكون علما لا بد ان يكون له شاهد ومصدق من المعارف الثابتة المتفق
عليها من القران والسنة. وإننا نقطع ان المعارف الثابتة القطعية فهما تحقق على
حياة رسول الله صلى الله عليه واله بل في بدايات حياته لذلك احتج القران بعدم
الاختلاف ونفى الاختلاف ومنع الاختلاف وامر بالرد الى القران و السنة صريحا و شرع
النبي صلى الله عليه واله العرض على الثوابت و الرد اليها بحديث العرض.
ان الاخذ بالظاهر من دون مراعاة المعارف فهم ظني، ولا يكون
علما وشرعا الا بإحراز موافقته للمعارف الثابتة المعلومة من القران والسنة فيصبح
فهما علميا. التمييز بين الفهم الظني والفهم العلمي ضروري جدا في بناء المعرفة.
الظاهر الاصلي والباطن الفرعي
احيان يرد بان النص القرآني الواحد له ظاهر وباطن، وأحيانا
يرد ان له ظاهرا لغويا وباطنا شرعيا وأحيان يرد ان للنص معنيان شرعيان اصطلاحيان،
من الواضح ان تفسر الباطن والظاهر بهذا الشكل لا شاهد له ولا مصدق فهو ظن لا يمكن
اعتماده. وما له شاهد ومصدق ان الظاهر اي النص والباطن اي التفريع وهذا جزء ومصداق
من كلي التفريع للنص الشرعي فلا يختص بالقران، بل السنة ايضا كذلك والاحكام
الشرعية ايضا كذلك سواء كان التفرع بالأفراد او المصاديق، وكلها تنتج احكام وعلاقات
موضوعاتها او محمولاتها غير مذكور في النص اي هي ليست في ظاهر النص بل في باطنه.
النص القرآني نص تخاطبي والنص التخاطبي له معنى واحد. نعم
هناك معارف كثيرة ممكن ان تستفاد من النص الا انها ليست تخاطبية لا تفسيرية لان
التفسير نظام تخاطبي واما الاغراض التي تنسب لتفسير غير بيان المعنى وتوضيحه والاستفادات
الاخرى الغرضية فهي ليست تفاسير في الواقع وانما معارف اخرى لا تفسيرية.
ومن المهم التأكيد ان الكلمة التي تستعمل في النص الشرعي لا
بد ان يكون لها معنى واحد في الاستعمال الواحد، نعم مع تعدد الاستعمالات فلا باس
للتعدد مواضع الاستعمال يمكن ان تتعدد. ولذلك فالقول ان القران حمال وجوه لا وجه
له، وانما يكون التعبير حمال وجوه بحسب اللغة واما بحسب الخطاب فلا وجه الا وجه
واحد الا انه من هذا الوجه الظاهر يمكن تفريع معارف فرعية كثيرة هي الباطن. ومن
المفيد استعمال هذا الفهم في عموم الشريعة بان الظاهر الشرعي هو النص الاصلي والباطن
الشرعي هو ما بتفرع منه وما يستنبطه الفقهاء بالتفريع، فيكون الظاهر هو المعارف
الاصلية النصية، والباطن هو المعارف الشرعية الفرعية غير النصية.
التفسير بعلم والتفسير بالرأي
بسبب اختلاف المعنى
اللغوي عن المعنى الاصطلاحي فموارد التفسير الاصطلاحي في الشرع لا تفسر الا بالوحي
وبعضهم اسماها متشابها وليس صحيحا لما سياتي بيانه وهي قليلة نسبيا كما بينت وليست
بالكثرة التي دعت الى تأليف مجلدات من تفاسير نقلية مع ان التفسير النقلي اعم فان
منه ما يقرر المعنى العام اللغوي ، وان الافراط في التفسير النقلي ناتج عن امور هو
حب السنة و حاكمية السنة في الشرعية و تدعيم الفهم اللغوي بالسنة وايضا ناتج من رع
وتقوى العلماء والخوف من التحذير بالقول في القران بالرأي الا ان المبنى كان غير
صحيح بسب الخلط الحاصل بين ما يفسر بعلم سواء بعلم من اللغة او علم من الوحي وبين
التفسير بغير علم. فالتفسير بالرأي هو تفسير بلا علم اي تفسير غير مستند الى اللغة
في المفاهيم اللغوية وغير مستند الى الوحي في الموارد الشرعية الاصطلاحية، فالعلم
الشرعي منه ما يعتمد على اللغة ومن اصطلاحي فهكذا تفسير كله علم وليس التفسير بحسب
اللغة تفسير بالرأي كما يتصور البعض. هذا وان اللغة منقولة ايضا كما ان الوحي
منقول، كما ان اللغة وحي عام بالهام مقابل الوحي الخاص النبوي، ومن هنا فالتقسيم
الاصح هو التفسير بعلم ويشمل اللغة والوحي والتفسير بالرأي غير المستند الى العلم لا
من اللغة ولا من الوحي.
التفسير العام والتفسير الخاص
التفسير اما ان يكون بحاصل اللغة او بالوحي، وموارد هذه
الشكلين لا تتداخل، لان استعمالات الحقيقة الشرعية المستحدثة تختلف عن استعمالات الحقيقة
للغوية ولان الخطاب والتخاطب لا يقبل الا استعمالا واحدا، ومن هنا فلا بد ان يكون
للكلمة او التعبير معنى واحدا هو اما لغوي او وحيي ولا يمكن ان يكون له معنيان في
وقت واحد، بل لا يمكن ان يكون للتعبير الواحد أكثر من معنى سواء كانا لغويين او
وحيين ام اختلفا من هذه الجهة. ولا بد من
العلم في التفسير سواء كان في المعنى اللغوي او الوحي ولا يكتفى بالظن، اما المعنى
اللغوي فهو علمي عادة بسبب الوجدان اللغوي وهو عام للناس ومرتكز في الوجدان التخاطبي
العام، واما المعنى الوحيي فلا بد ان يثبت بالعلم بالرد والعرض المعرفي ولا يكتفي
بالظن وهو بالطبع خاص بنظام الشرع فهو من الوجدان الشرعي الخاص. ولان موارد
الاستحداث الوحيي (الشرعي) قليلة فان موارد التفسير الخاص الوحيي (النقلي) قليلة وأكثر
التفسير هو عام لغوي.
التفسير والتأويل والتقريب
مجال التفسير باللغة هو كل معنى او مفهوم ورد في القران ولم
يرد فيه اصطلاح شرعي، واما التفسير بالقران والسنة فهو كل معنى او مفهوم ورد فيه اصطلاح
شرعي والذي هو بيان من الوحي للمفهوم. ولذلك فالتفسير بالوحي هو بيان متعلق بما
بين بالوحي والحقيقة هذه هي التأويل حقيقة وهذا مختص بالمفاهيم الاختصاصية الشرعية
وتسمى (الحقيقة الشرعية) اما الحقيقة اللغوية فتفسر باللغة لا بالوحي ولو جاء
الوحي وتكلم عنها فهو تقرير. كما ان الوحي الذي يفسر القران لا بد ان يكون علما
ولا يكتفى بالظن. ومن هنا يكون مفيدا استعمال كلمة (التفسير) للإشارة الى عموم
البيان والتوضيح سواء كان شرحا وبيانا لغويا او شرحا وبيانا من الوحي واستعمال
كلمة (التأويل) للإشارة الى خصوص التفسير بالوحي، واما التفسير باللغة خاصة فاقترح
ان نصفه بكلمة (التقريب) لانه يقرب الاستعمالات غير المألوفة عند اهل العصر والتي
فيها غرابة معاصرة. ومن هنا فيكون الجامع التفسير ويكون هناك تفسير تقريبي بحسب ما
جاء في اللغة و تفسير تأويلي بحسب ما جاء بالوحي.
التفسير العلمي والتفسير الظني
التفسير لا بد ان يكون علما ولا وجه للظن، وتعدد التفسيرات والاحتمالات
لا وجه له، وقد فرط البعض بنقل الاقوال وتكثيرها رغم وضوح عدم الوجه اللغوي او
الشرعي لها وظهور ظنيتها البالغة. والعلم في التفسير له مصدران الاول اللغة، اي
الوجدان اللغوي فانه لا يتغير وانما يحصل ابتعاد ان استعمالات جزئية اما الوجدان
اللغوي فثابت. والمصدر الثاني هو الوحي اما قران او سنة، ويكون بالعلم من الثابت والدلالة
فلا عبرة بما يظن ثبوته ولا الدلالات الظنية.
الحاجة الى التفسير
التفسير لغة وعرفا وشرعا هو البيان والتوضيح، لكن آيات القرآن
بينة، نعم هي بينة في نفسها وبكونها نصا عربيا وشرعيا، لكنها من جهة المتلقي وبسبب
عوامل كثيرة اهمها الابتعاد عن الاستعمال اليومي للغة الاصلية احتاجت بعض الآيات
الى تفسير. فالحاجة الى التفسير مختص ببعض الآيات التي الان في عصرنا أصبح الانسان
العادي لا يألف طريقة التعبير القرآنية التي هي عربية ومبينة وفق العربية، فهي
غرابة جزئية في قبال الغرابة الاصلية التي تناولها القدماء. كما ان هناك مفاهيم
وحقائق شرعية فصلتها الشريعة يحتاج الى فقه ومعرفة فيها لفهم الآيات فهما صحيحا.
الجمعة، 27 مارس 2020
الشك المنطقي من علامات العقل السليم
ان اخطر ما يمكن ان يحصل للبشرية هو الادعاء
العلمي الكاذب لان العقل لا يسلّم ويذعن الا للعلم سواء علم واقعي او علم اصطلاحي. وسبب اذعان
العقل للعلم الاصطلاحي لانه يصدر من ذات الغايات المفترضة من صدق الاخبار وحب
الخير للذات و غريزة المعرفة، لكن التوجيهات الفكرية و التحيز والامراض القلبية قد
تؤثر على العلم الاصطلاحي. ودوما العقل يقارن ما يرى مع ما يعرف فان رأى قلة
انسجام شك وتردد، والشك والتردد المنطقي المبرر أي الذي له اسبابه اولى علامات سلامة
العقل وليس علامات المرض كما يصور البعض. والعقل السليم ليس لان هناك عقل غير سليم
وانما لان الانسان صاحب العقل قلل من المؤثرات التي تحجم من قدرة العقل وفاعليته و
تحرر من قيود التبعية الفكرية. فكلما كان الانسان واقعيا موضوعيا كان عقله سليما
وكان غير مذعن الا لمعارف متناسقة و كلما كان الانسان تبعيا ومتحيزا كان عقله غير
سليم وكان مذعان لاصطلاحات لا تتناسب مع الواقع العلمي. ان ادراك الفرق بين الواقع
العلمي وما يكتب و ينسب الى العلم في الكتب والاصطلاحات امر مهم جدا لتحصين المعرفة.
العلم الواقعي والعلم الاصطلاحي
يعتقد البعض ان العلم هو مصطلحات وتعاريف و مسائل
في الكتب، وهذا خطأ بل العلم معارف موجود في الواقع بتشكلات واضحة والبشرية تحاول
تدوينها ووصفها لكن منها ما هو مدون ومسمى، و تلك الحقائق الواقعية ليس فيها تزييف
وانما التزييف ياتي من الكتب الاصطلاحية، فالواقع اصدق من الكتب، والحقيقة في
الوجدان اقوى من حقيقة الاصطلاحية. العلم هو حقيقة وصدق ووجدان و ليس كتبا واصطلاحات
فقط. لذلك فالايمان بالعقل من دون نص امر واقعي حقيقي وانما ياتي النص ليؤطر
الايمان و يعطيه شكلا اصطلاحيا ، فاحيانا يكون هناك ايمان بالحقيقة من دون تسمية
لها و احيان يكون ايمان مع تسمية واصطلاح.
ويمكن تزييف العلم بالاصطلاح بالكذب او التوهم ومهما
حاول التعليم الباطل تزييف العلم والحقيقة فان العقل والوجدان والواقع اسلحة محصنة
للانسان فلا خوف عليه بشرط التحرر من التحيز الفكري. ان وظيفة التعليم هو الاشارة
الى الحقيقة العلمية ووصفها لان الحقيقة العلمية في الخارج وليس في الكتاب ولا في
المصطلح، ومن هنا فيجب التمييز بين العلم الواقعي والعلم الاصطلاحي، وكلها قابلة
للخطأ الا ان الخطأ في الاخير اكثر لذلك يكون من المهم التأكد من صحة الادعاء
العلمي.
العقل و الايمان
من الصفات المهمة للعقل انه يدرك الحقائق قبل
تسميتها و اعطائها معنى أي قبل انتزاعها من الخارج، فيدركها العقل وهي في الخارج
لذلك فالعقل يدرك من العلم اكثر مما يميزه الانسان انه علم، بمعنى ان العقل يدرك
العلم والحقيقة العلمية قبل ان توصف بانها علم بل حتى لو لم يلتفت اليها، فالعقل
لا يخضع للتواضع والاصطلاح وهذا مهم جدا و يعطي العقل مساحة من الحرية ولذلك هو دوما
يسبق المتعارف و المعهود و المتوافق عليه بين المجموعة. كما ان العقل له قدرة
تميزية بالرد و يدرك التناقض وعدم الانسجام والعقل لا يقر للمعارف غير المنسجمة
الا بقوة قاهرة هي التوجيه والتحيز الفكري.
ان كل ما يدركه الانسان بشكل واع او غير واع، بشكل تمييزي بالتسمية او من دون تمييز او تسمية
فان العقل يدركه كما ان العقل يدرك امورا الانسان لا يلتفت اليها، ومن هنا فان علم الانسان علما لا يعلم انه يعلمه امر حتمى.
ومن هنا فحينما تكون هناك دعوى فان الانسان يشعر في عمقه – وبسبب الوعي واللاوعي-
ان تلك الدعوة منسجمة او غير منسجمة مع ما يعرف. كما ان العقل احيانا كثير ما يدرك
معارف علمية غير مسماة في اطرافها الا انه واثق منها فهو لا يشك في طبيعة الاطراف
والعلاقة لكنه لا يعرف اسمائها، ومن هذه المعارف العميقة للعقل هو وجود الخالق
للكون وصدق الرسالات و صدق الكتب السماوية، هذه كلها يدركها العقل وبقوة الا ان الانكار يأتي بسبب توجيهات فكرية
متحيزة سببها عدم الاقرار الاصطلاحي. ومن هنا يتبين الاثر العكسي التخريبي للمصطلح
و العرف على العلم.
تبعية العقل لعلم
المعرفة منها ما هو حق وصدق ومنها ما هو باطل
وكذب و تسمى معرفة من باب المشاكلة و ليس الحقيقة. وهذا كله صفة للمعرفة العلمية
بالاساس، فاصل المعرفة لا تكون الا علما و لذلك فهناك معارف تدعى وتوصف بالعلم الا
انها ليست علما وحينما توصف بالعلم يقوم العقل بالتحليل والاستنتاج على انها علم
وهنا تتبين نقطة ضعف العقل ورغم تبعية
العقل هذه الا انه دقيق في الالتفات الى درجة علمية المعرفة، العقل يمكنه اجراء
تحليله على كل معرفة سواء كانت صادقة او كاذبة، الا ان الحكم عليها يتبع درجة
علميتها، ونفس التحليلية ودرجة التحليل هو نفسه يجريه العقل على المعارف باختلافها،
لذلك فاذا حكم على علمية معرفة فان العقل يحلل و يحكم على ان تلك الفرعيات هي علم.
واذا حكم على لا علمية معرفة فان العقل ايضا يحلل و يرفع الا انه يحكم على التحليل
و الفرع انها ليست علما. وهكذا اذا كان العلم قطعا او يقينا فان الفروع العقلية
تكون قطعية و يقينية بحسب اصولها. وهنا
تكمن خطورة العلم. العلم اخطر من العقل باضعاف المرات.
واقعية الصفات الالهية مع غيبية المعنى
قد بينت ان الخبر السماوي لا يمكن ان يخالف الواقع الا انه قد يستعمل
الالفاظ في معان لا نعرفها بسبب جهلنا باحد اطراف العلاقة، فمثلا لو استعمل الخبر
السماوي كلمة ( رحيم) في الله تعالى ونحن نجهل الذات الالهية فحينها تكون لدينا
علاقة من اطراف بعضها مجهول اذن سيكون هنا جهل في المعنى ، الا انه لا بد ان يكون
الاستعمال واقعيا والا كان غير صحيح ، اذن فالواقع هو ادراكنا لجزء من المعرفة وهي
الاثر قفان صفة الفعل له اثر وهذا الاثر لا يتاثر بالعلاقة ، فنعلم بذلك ان فعل
الله المجهول عندنا و رحمته المجهولة لها اثر في المرحوم هي مثل اثر الرحمة عندنا
فرحمته ليست كرحمتنا في الحقيقة الا ان لها اثر كاثر رحمتنا وهذا ليس تشبيها لانه
لا علاقة لها لا بذات الله ولا بفلعه وانما باثره، كما ان هذا الاثر لا بد ان يكون
بمنتهى الكمال والحكمة. وبهذا يظهر واقعية وحقيقية الصفات في النص الشرعي مع جهلنا
بحقيقهتا و بحقيقة فاعلها.
المعرفة الخبرية السماوية
لا بد من صدق المعرفة لتكون علما حقا سواء كانت معاينية او خبرية،
والمعرفة المعاينية تنقسم الى قسمين غيبي وحضوري و لا ينبغي ان يكون لغيبية الشيء
اثر في اعتباره فان من الغيبي ما هو اقوى تاثيرا في الواقع. ويلحظ درجة العلم
بمقدار الاحاطة فالعلم الافضل هو مع الاكثر احاطة، والتفصيلية مهمة في الحقيقة
العلمية، ولذلك كلما اتجهنا نحو التفصيل قلة قدرة المدعين للحقيقة على تشخيصها،
ومن هنا فالصدق الحقيق هو الصدق العلمي و ليس الخبري، ومن اصدق مصادر العلم العلمي
هو الخبر الالهي وهو الوحي وهو ما نقله النبي صلى اله عليه واله الى الناس، لان
مصدره هو المحيط الحقيقي بالاشياء فاذا ثبت هذا الخبر فهو الحقيقة المقدمة على كل
حقيقة. ومن ثم الحقيقة المعاينية ومن ثم الحقيقة الخبرية غير السماوية. أي الارضية.
وبملاحظة اقسام مصادر المعرفة يمكن القول ان هناك معرفة معاينية غيبية او حضورية
ومعرفة خبرية سماوية ومعرفة خبرية ارضية. والمعرفة الخبرية السماوية هي اصدق
المعارف. ان اكثر شيء اضر بالبشرية هو التساهل في تصنيف المعارف و نسبتها الى
العلم والصحيح هو عدم القبول بالظن مطلقا مهما كان شكله. وان المعرفة الخبرية
السماوية لا يمكنها ان تخالف الواقع لانها لا تتحدث عن واقع اخر بل هي تتحدث عن
نفس الواقع لذلك فهي تتحدث عن نفس المنطقية ، وانما الفرق ان الخبر السماوي محيط
تماما بالواقع ونحن نعلم جزءه الا ان ما نعلمه من الواقع قطعا وصدقا لا بد ان
يتوافق مع خبر السماء. فخبر السماء لا يمكن ان يخالف الواقع لكنه وبسبب الاحاطة قد
يبين معارف غيبية او تفاصيل نحن لا ندركها او ان يشير الى اشياء نحن لا نعرف كنهها،
وقد يستعمل الخبر السماوي الفاظا لمعان نحن لا نعرفها لاجل جهلنا باحد الطرفين في
العلاقة وانما نعرف فقط الاسم وهذا الاستعمال ينبغي ان يكون واقعيا والواقعية اما حسية
او اثرية فيحمل ذلك الاستعمال على الاثر واما كيفية التاثير فيحتاج الى خبر سماوي.
المعرفة الخبرية السماوية
لا بد من صدق المعرفة لتكون علما حقا سواء كانت معاينية او خبرية،
والمعرفة المعاينية تنقسم الى قسمين غيبي وحضوري و لا ينبغي ان يكون لغيبية الشيء
اثر في اعتباره فان من الغيبي ما هو اقوى تاثيرا في الواقع. ويلحظ درجة العلم
بمقدار الاحاطة فالعلم الافضل هو مع الاكثر احاطة، والتفصيلية مهمة في الحقيقة
العلمية، ولذلك كلما اتجهنا نحو التفصيل قلة قدرة المدعين للحقيقة على تشخيصها،
ومن هنا فالصدق الحقيق هو الصدق العلمي و ليس الخبري، ومن اصدق مصادر العلم العلمي
هو الخبر الالهي وهو الوحي وهو ما نقله النبي صلى اله عليه واله الى الناس، لان
مصدره هو المحيط الحقيقي بالاشياء فاذا ثبت هذا الخبر فهو الحقيقة المقدمة على كل
حقيقة. ومن ثم الحقيقة المعاينية ومن ثم الحقيقة الخبرية غير السماوية. أي الارضية.
وبملاحظة اقسام مصادر المعرفة يمكن القول ان هناك معرفة معاينية غيبية او حضورية
ومعرفة خبرية سماوية ومعرفة خبرية ارضية. والمعرفة الخبرية السماوية هي اصدق
المعارف. ان اكثر شيء اضر بالبشرية هو التساهل في تصنيف المعارف و نسبتها الى
العلم والصحيح هو عدم القبول بالظن مطلقا مهما كان شكله. وان المعرفة الخبرية
السماوية لا يمكنها ان تخالف الواقع لانها لا تتحدث عن واقع اخر بل هي تتحدث عن
نفس الواقع لذلك فهي تتحدث عن نفس المنطقية ، وانما الفرق ان الخبر السماوي محيط
تماما بالواقع ونحن نعلم جزءه الا ان ما نعلمه من الواقع قطعا وصدقا لا بد ان
يتوافق مع خبر السماء.
المنطقية الخبرية المدعاة والاعتصام المعرفي الشرعي
قد بنيت ان اهم اسباب الاذعان العقلي للمعارف المدركة هو ان تكون
بمنطقية مقبولة عنده، وتبك المنطقية كما هي في المعاينة فانها ايضا في الخبر،
ويحصل احيانا خلل خبري – وهو اعم من تعمد وعدم التعمد- ولاجل اذعان العقل الناقل او
لاجل بلوغ اذعان المنقول اليه فانه يعمد الى اظهار الخبر يمنطقية خبرية والمنطقية
الخبرية اما وجدانية او اصطلاحية ، والغالب في مجال الشرعية مراعاة المنطقية
الاصطلاحية ومنها مثلا وضع اسانيد صحيحة لخبر موضوع، فان هذا من المنطقية
الاصطلاحية للخبر، وفي الغالب لا يراعى المنطقية الوجدانية- الواقعية- ولذلك هكذا
اخبار تكشف لكن احيانا يلتفت الى المنطقية الواقعية والوجدانية وهذا علاجه هو
الاعتصام بالثوابت والاصل والاسس الشرعية أي الرد الى القران والسنة والاخذ بما
وافقهما و ترك ما خالفهما. وهنا بيان معرفي بان صحة السند ليست كافية لاعتصام
المعرفة وان الاعتصام هو بالرد الى المعارف الثابتة.
مصادر العلم
العلم معرفة واقعية يدركها الانسان بعقله، والعقل ليس له قدرة على
انتاج مثل هذه المعارف الواقعية، فالعلم هو الواقع، وطريقة ادراك الانسان للواقع
بطريقتين متميزتين الاولى هي الادراك المباشر و الثاني هي الادراك غير المباشر،
الادراك غير المباشر هو الخبر ويسمى عادة النقل و الصحيح انه الخبر لان النقل هو
وساطة لنقل الخبر و ليس هو الخبر، فالنقل وسيلة توصيل الخبر والمصدر هو الخبر وهو
الدليل عليها و التمييز بين الخبر و النقل في غاية الاهمية في المعرفة البشرية. و
المصدر الاول والاهم هو الادراك المباشر وهو المعاينة أي الادراك الذي يكون بواسطة
ادوات الادراك البشرية المباشرة سواء ادراكا حسيا او اثريا، وهذا يعني ان ادراك وجود
المؤثر بالاثر هو ادراك معايني اصلي و ليس فرعي. وهذا الادراك الاثري واقع على
الخارج بشكل مباشر من دون فصل وغياب بعض الاطراف عن الحس لا يعني انه ادراك فرعي
فنحن ندرك الروح في الحي و العقل في المفكر وهذه ادراكات اصلية معاينية اثرية. اذن
فمصادر العلم اما خبرية او معاينية و المعاينية تسمى احيانا بالعقلية وهذا خطا
ناتج عن مقابلة النص الشرعي بالعقلي وكله تشوشي وانما هناك معاينة وخبر اي علم
معاينة وعلم خبر ولا دخل للعقل فيهما. وكلا المعاينة و الخبر يمكن ان يخالف الواقع
فيعطي تصورا خاطئا عن الواقع قد يدعى ما هو ليس بعلم علما، وانكشاف لاعلمية أي منهما
سريع وسهل الا ان هناك غايات و اغراض و تدخلات تحجم حرية العقل و قدرته التحليلية،
والا فانه كما ان الواقع المعايني بين فان الواقع الخبري بين، لان الاساس فيهما
واحد وهو المنطقية فكما ان هناك منطقية معاينية فهناك منطقية خبرية، الفرق ان
التلاعب بالمعاينة صعب بينما التلاعب بالخبر ممكن جدا. ولذلك فالمدعي يلجأ الى اعطاء اعتبارات غير
واقعية عن المعايني وهي معارف فرعية انتزاعية و اعطاء اخبار كاذبة، أي الادعاء
المعاني يكون غالبا بتغيير صورته الانتزاعية و الادعاء الخبرية يكون غالبا بالكذب.
تاثير الادعاء الاعتباري يكون بحصول تحيز فكري في التعامل فتحمل الوجودات
والعلامات على غير معانيها فان من احد اهم الابعاد الفكرية للواقع هو المعنى و
الاعتبار. وفي الحقيقة من اهم اسباب التوهم هو المنطقية المدعاة سواء من جهة الخبر
او جهة المعاينة، وهذا ما يقع فيه الاكثر، وعلاج المنطقية الكذابة سواء المعاينية
او الخبرية هو دوام اللجوء و الاحتكام والركون الى الاسس المعلومة قطعا صدقها فان
الرجوع اليها ورد المعارف اليها هو احد اهم اسباب عصمة المعرفة.
الأربعاء، 25 مارس 2020
آلية عرض المضامين على المعارف الشرعية الثابتة
حينما يبلغ الانسان حديث اي مضمون فان هذا المضمون له معنى
حكمي (علاقة) تختص بالموضوع والمحمول، ويلاحظ فيه ثلاثة أطراف المحمول والموضوع والنسبة،
وكل واحد من هذه الاطراف سواء كان مفردا ام مركبا فان له دائرة معنى في المعارف
الثابتة تكون حاله في هذه العلاقة معروضة عليها. طبعا هنا يعامل النص الشرعي من
حيث المصدر معاملة واحدة باعتبار وحدة المصدر، فيكون النظر الى المتن بشكل خاص،
نعم إذا كان في المتن اخبار عن حالة تتعلق بالقائل من الاولياء صلوات الله عليهم
فانه ايضا هذا يكون موضوعا للرد.
ان العقل البشري كفوء جدا في الرد المعرفي ككفاءته في تحصيل
المعنى من النص، رغم تعدد جوانب الملاحظة والمعاني التي تحضر عند الرد، وغالبا ما
يحصل الرد مباشرة عند تلقي المعنى فيكون هناك قبول او ارتياب او عدم تبين الحال.
وهذا يعود لسببين اولا كفاءة العقل في الرد وثانيا رسوخ المعارف الثابتة بخصوص
المعارف وخصوصا المعارف الدينية.
بعد سلامة التركيب ووضح المعنى وتحصيله بطريقة عرفية عقلانية
واضحة تحصل عملية الرد والتي قد تحصل مبشرة ولو تعمد الانسان ورسخ فكرة الرد في
نفسه فان الرد المعرفي سيكون مقترنا بالفهم وسيكون جزء من عملية تقبل المعرفة
المحمولة بالنص.
ولا ريب ان هذه ممارسة عقلية فيختلف فيها المبتدئ عن
المتمرس وكلما كثرة الممارسة صار الانسان أكثر تمرسا بالرد حتى يصال الى قدرة
عالية من الرد لا تتخلف الا قليلا. التخلف الردي يحتاج الى تحليل ومراجعة وهو شيء
وارد حتى عند أكثر المتمرسين بالرد. وعلى كل حال الرد عملية عفوية عرفية عقلائية
بسيطة الا انه احيانا يلتفت اليها وتعتبر واحيانا لا يلتفت اليها. منهج العرض وتقييم
النصوص بالعرض يعني الالتفات الى عملية الرد وليس القيام بها في الواقع.
وكبيان شارح لما هو عفوي وجداني فان العقل يدرك ويلاحظ ما
لديه من معارف بخصوص العلاقة بين الاطراف في النص الذي بلغه سمعا او قراءة وهو
النص المعروض اي المعرفة المعروضة، فهو نص متلقى ومعرفة متلقاة ونص معروض ومعرفة
معروضة. وبتعبير معهود هو ما بلغ القارئ او السامع من حديث، فهو حديث مقروء او
حديث مسموع او حديث معروض وهو الحديث الذي بلغ القارئ او المستمع.
قد بينت في منسابات كثيرة ان العرض يكون للمعرفة الظنية،
وهنا امران الاول الظنية للكلام المنقول لها جهتان الاول ظنية النقل وظنية الدلالة،
اما ظنية النقل فهي مختصة بالحديث ظني الصدور واما آيات القران والسنة المتفق
عليها فليست موضوعا للعرض بل هي ما يعرض عليه. والغرض هنا اخراج الحديث الظني الى
حالة العلم فيصبح حديثا معلوما بالتصديق والشواهد.
واما من جهة الفهم فالمعروض ايضا الفهم الظني، فالفهم فهمان
فهم قطعي متفق عليه بين المسلمين له أصل عرفي وعقلائي ومعرفي وفهم لا يتصف بذلك،
الفهم المتفق عليه لا يعرض بل هو ما يعرض عليه هو المعرفة المعروض عليها غيرها،
وانما العرض للفهم الظني. وهذا الفهم الظني قد يكون لنص قطعي كآية او حديث ثابت او
لنص ظني كحديث ظني الصدور.
والحديث هنا عن الحديث اي المضمون الظني صدورا، واما باقي
الاقسام فلها مواضع اخرنا. حينما يبلغنا مضمون ظني الصدور، فإننا واثناء بناء
الكلام واستفادة المعنى يحصل استحضار للمعنى و علاقاته و دوائره بشكل اجمالي و لما
هو راسخ منه، ومباشرة بعد اكتمال المعنى و تمام عملية الفهم يحصل رد ’لي الى ما هو
معلوم عنه، اي عن العلاقة ، اي عن اطرافها من موضوع ومحمول وما يتعلق بذلك و يتفرع
منه من صفات او شروط او قيود نحو ذلك من اغراض و اساليب، و في الشريعة يستحضر
معرفتان مهمتان في الاعتقادات و الاعمال، فإما في الاعتقادات فيستحضر غيبية
المعرفة او ظاهريتها و في الاعمال يستحضر لزوم المعرفة ام عدم لزومها.
حينما يبلغ العقل مضمون معين فانه يعرضه على ما يعرف، فان وجد
له شاهدا ومصدقا من المعارف التي عنده سابقا فانه يقر ويذعن بالنقل والظاهر والا
توقف او رفض المضمون. ان الاصل في النقل عند العقل هو الظن مهما كان حال النقل الا
ان يبلغ درجة الاستقلال بحيث يتحقق علم اكيد نقلي والا فان الاصل في النقل الظن، فان
وجد شاهدا ومصدقا صار علما واقر والا بقي ظنا. واما إذا وجد قرينة خلاف النقل فانه
يصبح شكل وإذا ثبت عدم الصدور حكم بانه كذب، فالكذب لا بد فيه من علم ولا يكفي
الظن. فالحديث اما ان يعلم انه صدق او يعلم انه كذب او يبقى ظنا سواء مشكوكا الصدق
او مشكوك الكذب. الشاهد والمصدق المتني المعرفي هو الذي يجعل الحديث معلوم الصدق
وهو المضمون الصحيح وحديثه الحديث الصحيح، واما غير ذلك فهو مضمون معتل وحديثه
حديث معتل.
البعد الاخلاقي للوجود
ادراك
البعد الاخلاقي للوجود مهم وهو وجداني وفطري وان لم يتحدث عنه بشكل صريح وواضح في
الكتابات، وهو ان هذا الكون لا يقبل بشكل دائم الا حالة الوجود الاخلاقي بمستوى
معين لذلك حينما تختل الاخلاق يكون هناك تدخل لاجل التصحيح والرجوع الى المستوى
المقبول وبهذا يمكن تفسير ارسال الرسالات السماوية، و البعد الاخلاقي يلحظ فيه
امران الاول انها قصد للاحكام أي للعلاقات وليس لافراد انما الافراد موضوعات
ومتعلقات والقيمة الاخلاقية هي للعلاقات ، و كما ان الوجود يسعى نحو علاقات ذات
بعد اخلاقي ايجابي فان تلك العلاقات تسعى نحو وجود اقوى واكبر والحال بالعكس
بالنسبة للعلاقات ذات القيمة الاخلاقية السلبية فان الوجود يسعى الى اقل مقدار
منها فغايتها الوجودية اقل مقدار من الوجود و الظهور، ومن المهم هنا ادراك العلاقات
بانها ذوات وحقائق. كما انه يمكن فهم فعل الخير وقوى الخير بانها عوامل لظهور اقوى
للعلاقات الاخلاقية وان فعل الشر و قوى الشر بانها عوامل لظهور العلاقات
الاخلاقية. هذا الفهم الاخلاقي للشر والخير مهم جدا في المعرفة. ومن هنا يعلم ان كل ما في الوجود محكم وواضح حتى
العناصر اللاأخلاقية و القوى الشريرة ، فان وجودها ليس نفسي بل غيري للاختبار، وان
غاية الوجود . ويمكن وصف حالة الوجود ان للكون او الطبيعة عقلا اخلاقيا يسعى الى
اقل مقدار من الشر و ان هناك قوى غريبة لا عقلانية تسعى الى اظهار الشر في الكون.
فاللاعقلانية و اللاأخلاقية هي قوى الشر وهي التي تعارض غايات الوجود و سعيه نحو
التكامل الاخلاقي. فالموجودات بما هي كلي في الكون والعالم و الطبيعة تسعى نحو
تكامل اخلاقي وهو التكامل العقلي بما في
ذلك الشر وعناصره فانها تسعى في تكامل مع الوجود نحو اقل مقدار من الظهور لكن قوى
لا عقلانية شيطانية تسعى الى ظهور عناصر لاأخلاقية
من خلال ارتكاب بشري لها وهو طريقها الوحيد من هنا يعلم امران الاول ان المظاهر اللاأخلاقية
هي بفعل البشر و ثانيا انها بدفع من قوى شيطانية و هذا كله خلاف غاية الكون نحو
وجود اخلاقي متكامل. والحكمة في ذلك
الدافع اللاعقلاني الغريب الشيطاني هو لاجل الامتحان و الاختبار. وبهذا يكون
الوجود كله محكم وتشابه وجود الشيطان ينحل الى الاحكام بوضوح حكمة وجوده
الاختبارية الامتحانية.
العنصر
اللاأخلاقي هو الشر الحقيقي اما ما يصيب الانسان بفعل العقوبة الاخلاقية و بسبب ما
يحصل من امور طبيعية فانها ليست شرا بل هي فرص للعمل الاخلاقي. الحقائق الشيئية غير المستقلة
فالحقيقة الشيئية التي ينتزع منها معنى ويوضع لها
لفظ هي اما ان تدرك على انها شيئية مفردة او شيئية مركبة، والشيء المفرد هو ما
يدرك على انه ذات واحدة متميزة تقصد في نفسها وان كانت في الخارج مركبة، كافراد
الانواع من جوهر ذهنية او خارجية. والشيء
المركب هو ما ادرك فيه اكثر من ذات في علاقة أي جواهر في علاقة سواء كانت جواهر
ذهنية او خارجية او مختلطة منهما من قبل الاحكام. فالاحكام حقائق شيئية مركبة.
ان قوة العقل وقوة انتزاعه وقوة الذهن كعامل
للتعامل يعطي تمييزا بين الاشياء الفردية و الاشياء المركبة وتعرف الاشياء المركبة
على انها اشياء اعتبارية غير حقيقية وهذا غير صحيح بل ان هذا ناتج بفعل وظيفية
العقل وليس بحسب ادراكه الاساسي فان العقل لا ينتج حقائق ولا يولد اشياء انما هو
يدرك ويميز ويصنف وينتزع من الخارج، فالاحكام هي امور لها تشكل في الخارج وتتكثر
بتكثر مصاديقها ، وامتثالها يكون بفعل خارجي شيئي، وكل معنى اعتباري هو ينحل
بالنهاية الى اشياء جوهرية حقيقة في علاقة وتلك العلاقة هي شيء خارجي وان كان غير
مستقل وهو متصور ومنتزع من وجود شيئي خارجي و يمكن القول ان التميز الشيئي احيانا مستقل
واحيانا غير مستقل فعندنا اشياء حقيقية خارجية حقيقتها وخارجيتها مستقلة و اشياء
حقيقية خارجية حقيقتها وخارجيتها غير مستقلة وتسمى الاعتباريات. وتمكن اهمية هذا
التمييز ان الذاتية و الحقائقية للشيء تعطيها بعدا ذاتيا في الوجود وغاية وقصدا
ووعيا، وقيمة اخلاقية.
الاعتباري من الذهني الى الخارجي غير المستقل
ان قصد المعاني كفوء جدا عند الانسان ، وهناك
تمييز عقلائي واضح بين المعنى المفرد والمعنى المركب، والمعنى المفرد هو ما يكون
لحقيقة شيئية زمانية متميزة في الشيئية أي انه جوهر شيئي متميز، ويسمى (الخارجي) اما المعنى المركب فهو ما يكون لحقيقة شيئية غير
متميزة في الشيئية بل تكون اجزاؤها موزعة على مجموعة اشياء و يسمى (الاعتباري)،
لكن هذا غير صحيح بل كل المعنى تشير الى امور خارجية شيئية وليس للذهن قدرة على
انتاج الاشياء انما هو يحاكي الخارج لكن من الاشياء الخارجية ما هو متميز ككتلة
واحدة وبصورة منفصلة عن غيرها من الاشياء
ومنها ما هو متوزع على اشياء الا ان له هويته و كيانه وغاياته واسبابه. فالمعنى لا
يكون الا لشيء خارجي اما ان يكون مستقلا او غير مستقل والاول يسمى الجوهر او الذات
او الخارجي او الحقيقي و الثاني يسمى العرضي او الاعتباري وهذا التمييز غير صحيح
بل الكل من اشياء مستقلة او غير مستقلة هي حقائق وذاوت وخارجيات، ولها كيانها و
وجودها و صورتها و اسبابها و نتائجها. وهذا كله في المدركات العقلية أي الزمانية
المكانية و لا يشمل الذات الالهية التي لا يحيط بها العقل ولا يحدها المستقلة عن
الزمان والمكان. لذلك فالاستقلال المقصود في الاشياء الجوهرية العقلية هو استقلال
نسبي وظاهري. وانما الاستقلال الوجودي الحقيقي هو لله تعالى.
خصائص المعارف المحورية
ان المعارف ينظر اليها في نفسها و مرة اخرة ينظر
اليها باعتبارها جزء من نظام، وهذا النظام له خصائص معرفية معينة، اذا حققهتا تلك
المعرفة كانت منه واذا لم تحققها لم تكن منه، و بقدر تحقيق وظهور تلك الخصائص و
تكاملها في المعرفة المنتسبة تتميز نسبتها و انتماءئيها للمعرف بالضبط كحالة
الانتماء الاجتماعي البشري كما ان قوة علاقاتتها و كثرتها و تثيرها ايضا يحد
محورتيها في المعرفة، فالنظام المعرفي كالمجتمع البشري و المعارف الجزئية فيه
كالافراد، ومن هنا يمكننا ان نصف الانظمة المعرفة بانها مجتمعات معرفية وان
المعارف المنتمية الى نظام انها افراد معرفية و ان قوة ومحورية الفرد ناتج من
فاعليته في المجتمع وتاثيره. وتاثر المعرفة فاعليتها تكون برسوخها و مقدار تمثيلها
للنظام و كثبرة تداخلها وعلاقاتها، اذن فمحورية المعرفة في نظام تعتمد غاليا على
قوة تميثلها للنظام أي رسوخها فيه و كثرة علاقتها فيه وحكميتها على غيرها بحسب
العلاقات الحكمية ومالعرفية في التداخلات . وهذه المحورية هي التي تعطي للمعرفة
المعينة صفة مرجعية يرد اليها غيرها والمعارف تتفاوت في ذلك. فالمعارف في نظام
ينظر في قوة ثباتها في النظام ثم ينظر الى قوة محوريتها فيها.
المعارف الشرعية المحورية الجوهرية والمعارف المظهرية الطرفية
المعرفة في نفسها مجموعة عناصر معرفية مستفادة من
معان مكتسبة، وان المعارف تتكتل بشكل دائري حول المعنى المركزي للحقيقة و المعنى
المركز هو الجوهر المقوم لوجود المعرفة و الذي يتصور باقل قدر من العناصر المعرفية
و الذي بانتفائه ينتفي المعنى او يتغير، وحول هذا المحور الجوهري توجد دوائر اكبر
تتسع بسعة علاقات المعنى حتى تصل الى درجات كبيرة هذه الدوائر الطرفية تعطي المظهر
للمعنى أي للحقيقة المعرفية. هذا البيان يجري بالضبط في كل كيان معرفي متشكل ومتمظهر
وله نسيج واجد متناسق ومتوافق كما هو الشرع. فالشريعة فيها دائرة جوهرية هي محور
الدين ومعارفه الاساسية الجوهرية و حول تلك المعارف معارف شرعية تمظهرية يتمظهر
بها الدين.
المتدينون يتحدون في تلك المعارف الجوهرية
ويتفاوتون في الدوائر الطرفية الا انهم ينبغي الا يتعاكسوا لان التعاكس هنا مخالف
لوحدة النظام، فالمعارف الشرعية كلها متوافقة الا انها قد تتلون وتتمايز الا ان
تلونها و تمايزها لا يكون باختلافات عكسية، اذن فالجائز من التلون الطرفي يجوز ان
يكون بالشدة والضعف وليس بالتعاكس ومن هنا يتبين ما ينبغي وما لا ينبغي من المعارف
الشرعية كما انه يعرف حجم التباعد الطرفي للمعارف بسهولة أي معرفة ابتعاد المعرفة
المدعاة من الحقيقة. ان الحقيقة الشرعية لا تقبل الاختلاف وتقبل التلون والتكتل
لكن من دون اختلاف والاختلاف هو تعاكس في اتجاه المعرفة حيث ان للمعاني اتجاهات
معروفة من حيث النفي والثبات والتضاد والتناقض والتعارض ونحو ذلك.
الرد الشرعي والشاهد الشرعي
تبين
مما سبق ان الرد يكون للمعارف الشرعية و ليس الى المنطوق او النص اللفظي بل الى المعرفة
المتكونة بخصوص شيء او علاقة، أي الحكم وهو الاهم، فان الشريعة هي مجموعة احكام ومعارفها
الاساسية علاقاتية حكمية وحتى اطرافها حينما تدرك فانما تدرك بما هي في احكام وهذا
ايضا يعطي لونا للشريعة متميز يختلف عن الاعتباط و الاتفاق الذي يقصد الذوات، بل الشريعة
لها تناسق و محورية ومقاصدية و اتجاه و تميز واضح في ابعادها الانسانية و الاخلاقية
والمعرفية عموما. ولكل معرفة شرعية أي علاقة بالمعنى العام او حكم بمعناه العام فان
له دائرة معنوية وهي الدائرة الانتمائية للعناصر المعرفية ومنها ما هو جوهري ذاتي ومنا
ما هو عرضي علاقاتي، وهذا الدائرة مدركة بوضوح وبتميز وراسخة بقدر رسوخ ومحورية المعرفة
التي يرجع اليها. ومن المعارف الشرعية ما هو محوري في الشرع يرد اليها غيرها، وتلك
المعارف المحورية عادة ما تكون واضحة لجميع الناس وبينة بجميع تفاصيلها أي بجميع عناصرها
المعرفية الجوهرية والعرضية الاساسية والعريضة الفرعية. وفي الشرع الشاهد هو تداخل
معرفي مع توفق في الاتجاه فاذا لم يكن تداخل فهذا يعني عدم الشاهد واذا كان تداخل وباتجاه
معاكس أي مع تعارض فهذا شاهد بعدم الانتماء.
الشاهد المعرفي والتداخل المعرفي
ان لكل معرفة ابعادا من حيث الصورة
والمظهر ومن حيث المقدمات والاسباب ومن حيث الافعال والنتائج أي من حيث الوجود ومن
حيث التأثر والتأثير، وهذا يتطلب تداخلا مع معارف اخرى أي دوائر معرفية اخرى وهذا هو
التداخل المعرفي الذي هو اساس للشاهد المعرفي.
الشاهد المعرفي يتعدد بتعدد تلك الجهات التي يمكن حصرها بعناوين كلية لكن لا
يمكن حصرها بأفراد و مصاديق لأنها تتكثر بتكثر طبيعة الاشياء و تكثرها، الا ان كليتها
مؤكدة واهمها الاشتقاقات من الهيئة و التأثر و التاثير و الوجود والمقدمات و النتائج،
و الذات و اللازم و الملزم وغيرها من اشكال الدلالات الواضحة عرفا وهي اوثق الصلات
وهناك الاتصال الاقتراني و الاتصال البعيد المناسباتي. وحينما يكون الشاهد المعرفي
واضحا وقريبا جدا من المعرفة المردود اليها فانه يكون اكثر علمية وكلما كان ابعد و
اضعف كان اقل علمية، الا انه دوما يحقق اتصالا مما يحقق ترابط المعرفة و تناسقها وتوافقها
وعدم اختلافها وهذه هي علامة الحقيقة. وقوة الشاهد المعرفي هو بتعدد الجوانب التي تتصل
به المعرفة المعروضة على المعروض عليها. فالشاهد المعرفي ليس شاهد امكان وجواز وعدم
مخالفة لان هذا حاصل في كل معرفة لا تتداخل مع المحور ولا تعارضه، و انما الشاهد هو
شاهد اتصال وانتماء وهو يشمل فقط المعرفة المتداخلة و المتوافقة والتي لها نفس الاتجاه
المعرفي واما ما يتداخل و يخالف فان الشاهد على خلافه و اما ما لا يتداخل فهو ما ليس
له شاهد. فالشاهد المعرفي الموجب للاتصال المعرفي والموجب للعلم بالانتماء المعرفي
هو تداخل معرفي مع توافق في الاتجاه والغرض في النظام المعرفي الكلي وكلما تعددت جوانب
الاتصال قوي العلم والوثوق بالانتماء.
دوائر المعنى والشاهد المعرفي
الدائرة
المعرفية للمعنى تتداخل مع دوائر اخرى وهذا التداخل لها اتجاهان؛ اتجاه ايجابي توافقي
واتجاه تنافري، وكلا الاتجاهين يحقق اشارة معرفية تمييزية هي الشاهد المعرفي فيشهد
للمعارف بموافقة الايجابية التوافقية و يشهد بخلاف المعارف التنافرية، كما ان القرب
و البعد ايضا له اثر اشاري تمييزي فتشهد المعرفة للمعارف القريبة ولا تشهد للبعيدة
وهذا ايضا شاهد معرفي للمعارف القريبة، ومن هنا فالمعرفة المعنوية للمعنى تشهد للمعارف
القريبة التوافقية بشهادة الاتصال و القربة و التوافق ونسبتها تكون من الصدق والعلم،
و لا تشهد بذلك للمعارف البعيدة او المعارف القريبة المخالفة. فهذا معارف منفصلة ونسبتها
تكون من الظن او الكذب.
الاتصال المعنوي والقرابة المعنوية
المعنى بشكل عام اما مفرد او مركب من أطراف في
علاقة وكلاهما له صورته في الذهن وله دائرته من العلاقة بجهات مختلفة حسب طبيعة
المعنى من اسباب ونتائج وافعال او ما ينتهي الى ذلك او يقاربه او يشابه. ولذلك فانثال
المعاني وتخاطرها امور حقيقية ثابتة واقعا ووجدانا. وما سبب ذلك الا العلاقات الاتصالية
الرابطة بين المعاني. بمعنى اخر ان دائرة المعنى فيها جزئين الدائرة الذاتية وهي الوسطى
والدائرة العلاقاتية وهي التي تكون بحجم أكبر بطبيعة الشيء وعلاقاته وكلما كان
الشيء محوريا في نظام كانت دائرته العلاقاتية اكبر. ويمكن ان نسمي الدائرة الاولى
بالدائرة الجوهرية والثانية بالعرضية، والمعنى كله هو المعرفة الخاصة بالشيء وهي
تتفاوت طبعا الا انها كلما تقترب من المركز تتوحد لذلك فان التفاوت بين الناس
بخصوص الاشياء ليس في الدائرة الجوهرية غالبا وانما في الدائرة العلاقاتية ومن هنا
تبرز اهمية توحيد سبيل المعرفة في الشرع لأنها مجموعة معارف متراكمة مكتسبة بخصوص
الاشياء تعتمد على التعليم اكثر منها على الاكتشاف.
ان هذا الاتصال المعنوي ليس اعتباطيا وانما يرجع
الى تداخل معرفي وترابط في المعرفة بجوانب مختلفة تختلف باختلاف وجوه المعرفة
الكلية من موضوعات ومحمولات ونسب ومن اشتقاق وقرائن وتفرعات وتوازي وتباعد وتقارب.
ان القرابة المعنوية بين المعاني حقيقة مهمة جدا في اللغة.
فلسفة الشريعة
فلسفة العلم ومنها فلسفة الشريعة لا يمكن ان تكون بذاتها علما
ولا تكون من الشريعة ويمكن ان تكون من مقدماته أي المعارف القريبة منه و لا يصح ان
تنسب اليه او تكون منه الا باثبات تفرعها منه. فحينما تطرح معارف فلسفية بخصوص
الحقيقة الشرعية فان ما يطرح حينها ليس من الشريعة و لا من حقائقها وكل الاحكام
التي تفترضها ليست من الشرع الا انها تصلح لان تكون موضع بحث و تمحيص ولا يجوز
نكران ان كثيرا من الحقائق العلمية كان اساسها الفسلفة ، بل ان الفرضيات وهي معارف
فلسفية من مقدمات العلوم الثابتة. ولهذا فمن المفيد ان تكون هناك فلسفة للشريعة
وتطرح الافكار المنطقية المتناسقة المتوافقة بخصوص الحقائق الشرعية و بحث العمق المعرفي
لجوانب كثيرة من الشريعة، فان هذا يؤدي الى امرين تدعيم الحقيقة الشرعية وترسيخها
في النفوس و ايضا توفير مادة مقدمية قريبة لاجل البحث للاثبات او عدمه ومن المهم
دوما تمييز المعارف الفلسفية بخصوص الشريعة والتي هي ظنون بخصوص الشريعة من
المعارف الشرعية وعلم الشريعة.
ان وجود فلسفة للشريعة و فلاسفة شريعة مهم جدا وله فوائد بشرط التمييز بين علم الشريعة وفلسفتها وحينها ستكون مباركة.
فلسفة العلم
الحقائق العلمية لها جوانب عدة للبحث و النظر و
التناول العقلي و العقل كائن خلاق مبدع يستطيع ان يتناول الاشياء من وجوه عدة
واحدها هو التناول الفسلفي للاشياء ومنها الحقائق العلمية وهو ما يسمى فلسفة
العلم، وفلسفة العلم هي تعامل عقلي لاتفرعي منطقي وافتراضي وظني للحقائق، وهو
مقدمة للعلم بمعنى من المعاني.
الذي ينتج الحقيقة هو العلم، أي التعامل التفرعي
للعقل مع الحقائق واما التعامل العقلي غير التفرعي كالفلسفة و الادب فلا ينتجان حقائق
وهما ظنون، ولان الادب يصرح بوضوح لاعلميته ولا حقائقيته وانه تخيلي فالخطورة تكمن
في الفسلفة من جهتين الاولى انها تدعي الحقائقية بل احيانا تدعي تقدمها على العلم
وهذا باطل قطعا، والثانية انها تدعي انها مقاربة للعلم وهذا جيد ومحترم ومن المفيد
دوما تمييز معارف افتراضية فلسفية بخصوص العلوم ومنها الشريعة و النظر في مدى
ثبوتها فيه ولا يصح نسبتها الى الحقيقة او القول بانها من العلم ما لم تثبت تفرعها،
كما انه لا وجه لمنعها و تبديعها.
العلم و الفلسفة
العقل مخلوق متميز وخلاق ومبدع وكما انه يدرك
الحقائق فانه ايضا يستطيع ان ينتزع صفات علاقاتية عن الحقائق، وهذا كله من المعالجة
العقلية للاشياء وحقائقها لكن هناك شكلان متميزان من المعالجة العقلية للحقائق ؛
الاول هو المعالجة التفرعية أي ان العقل يلتزم باتصال المعرفة بحيث انه لا يخرج من
جوهر المعرفة فيشتق منها ما ينتمي اليها بشكل صادق كادراك افراد العام ومصاديق
الكلي ونحوهما من التفرعات وهذا التعامل هو (التعامل العقلي العلمي) مع الحقائق وهذا جائز في الشرع فانه يجوز عقلا
و شرعا التفرع من النص بهذا النحو وهو من البيان والادراك المتكامل للحقيقة و ليس
من اقتراح شيء قبالها. والنوع الثاني من التعامل العقلي مع الحقيقة هو التعامل االلاتفرعي
وهو اقتراح معارف غير مستفادة بالتفرع وهذا العمل عقلي جميل ومحترم الا انه ليس عملا
عقليا، ووظيفته امران اما ان يكون مقدمة للحقيقة العلمية باثبات التفرع او انه
يقترح لاجله فيكون غايته نفسه وهو اما ان يكون بصيغة منطقية وهو الفلسفة او بصيغة
غير منطقية تخيلية وهو الادب. ومن هنا فالعلم هو تعامل تفرعي مع الحقيقة. و
الفسلفة هي تعامل لا تفرعي منطقي مع الحقيقة و الادب هو تعامل لا تفرعي تخيلي مع
الحقيقة.
الثلاثاء، 24 مارس 2020
اعتصام المعارف العامية
المؤمن بارتكازاته المعرفية التي يرد اليها الفهم
لا يفهم النص بشكل خاطئ ولا يكذب في فهمه ما دام معتمدا الطريقة العرفية العقلائية
العامية للفهم. ففهم العامي الذي يقع ضمن ذلك النظام التوافقي المتناسق وضمن طريقة
العامة العقلائية في الفهم هو فهم صحيح معتبر حجة في الشرع. واذا حصل توهم وخطا في
الفهم فهو ناتج عن احد امرين؛ الاول اعتماد غير ما هو عامي في اثبات النقل وثانيا اعتماد
غير ما هو عامي في الفهم. فاحيانا البعض يتبع طريقة غير عرفية وغير عقلائية وغير
عامية في اثبات النقل، فيعطي حجة نقلية لما لا يتصف بذلك ومن امثلة ذلك هو اعطاء
حجة للظن النقي وهذا من الغرائب التي يخالف فيها طريقة العرف والعقلاء والعامة في
النقل، فان العامة لا يعتمدون الا على العلم ولا يقرون بالنقل الظني فاعتماد الظن
في النقل امر مخالف لعامية المعرفة، واهم اشكال الظن النقلي هو اعتماد الخبر الذي
لا يفيد العلم بحجة صحة سنده، ومن المعلوم بل المقطوع به ان صحة السند ليست العامل
الذي يجعل الظن علما ولا هو القرينة الحقيقية في قبول الخبر عرفا، فالعامة العرفية
العقلائية تقبل خبر المجهول ان كان عليه دلائل وتقبل الخبر مطلقا ان حقق اتصالا
معرفيا بشواهد ومصدقات وهذا القبول لانه حقق العلم العامي، و العامة العقلائية لا
تقبل الخبر الذي تضعفه الدلائل وتعارضه وان كان ناقله اوثق الثقات. واما بخصوص الفهم فان العامة العقلاء مفطورون
على حقيقة الواقع المتناسق المتجانس المتوافق فلا يقبلون اية معرفة مختلة، لذلك
فالظاهر من الكلام وما يفهم من الكلام عند العامة محل توقف وظن وشك الا ان يكون
متوافقا ومتناسقا و متصلا بغيره من معارف بالنظرة والفهم العامي العقلائي وكل فهم
خلاف ذلك يسمونه ليا لعنق النص وتحريفا للفهم ولذلك مهما كانت المقدمات الاصطلاحية
موسعة ومدققة اذا خالفت في الفهم طريقة العامة فانها تسقط. كما ان ظاهر النص مهما
كان واضحا ومهما كان نقل نصه قويا حتى لو بلغ القطع فان العامة لا تقر بذلك الظاهر
الا اذا وافق باقي المعارف حتى ان العامة تجوز توجيه النص توجيها يوافق المعارف
الثابتة وان خالف ظاهر النص ويسمون النص متشابها وان كان قطعي الصدور. فالعامل
الاهم والاول بل والاخير في معارف صحيحة هو اعتماد طريقة العامة في النقل والفهم.
ولو ان الناس اعتمدوا الفطرة العامية في التعامل مع النصوص فانه لن يحصل اختلاف
فضلا عن خطئ، لانهم سيعتمدون الارتكاز المعرفي العامي وهذا اهم عامل لعصمة المعارف
الاصلية وسيعتمدون التفريع النوعي العامي الصادق وهذا اهم عامل عصمة المعرفة
الفرعية.
الفهم العامي و الفهم غير العامي
ان اوامر التدبر و التفكر في نفسها وفي بعدها
المعرفي و الارتكازي وفي فهمها العرفي تدل وبما لا يقبل الشك صحة الفهم العامي
للشريعة والحقيقة ان النص الشرعي من قران وسنة -وهو الدليل الشرعي- هو نص عامي فهما
وتفهيما، انه نص تخاطبي عامي للعوام، وينبغي فهمه بطريقة عامية تخاطبي عادية، وكل
فهم عامي للقران والسنة هو فهم صحيح وحجة
كما ان كل فهم اصطلاحي اختصاصي للنص الشرعي لا يكون عاميا، والفهم غير العامي
ليس حجة. ومن هنا فاذا فهم الانسان العامي النص فهمها صحيحا وفق طريقة العرف
والعامة وفهم الانسان الاختصاصي فهما اصطلاحيا بمفاهيم مركبة دخل فيها الاصطلاح
فان فهم العامي ذاك مقدجمة على فهم العالم، بل ان فهم العامي هو الحجة وفهم العالم
حينها ليس حجة. و بعبارة مختصرة الفهم العامي للنص الشرعي هو الصحيح وهو الحجة
والفهم غير العامي الذي يدخل فيه الاصطلاح و التخصص ليس صحيحا وليس حجة.
التدبر و التفكر والمعرفة
ان من الاعمال المهمة والتي تعمل على ترسيخ
الوجدان الشرعي الاصلي النصي هو كثرة التدبر و التفكر بالقران والسنة ، فان هذا كفيل
في تحقيق الوجدان الذي يكون مرجعا للرد المعرفي. ان التدبر والتفكر قصد حقائقي
مفهومي الا انه قصد نوعي عرفي عامي وليس اصطلاحيا اختصاصيا، وهو يعتمد على
العمومات في جانب منه، وهذا الاعتماد يحقق نوعا من التفرع وهو دوما صادق ما دام
القصد سليما. ان التدبر والتفكر لا يعني الذهاب عميقا في تفاصيل المفاهيم بالقدر
الذي يتجه نحو ادراك بالعلاقات بين الاشياء وانتظام واتساق الظواهر و التعابير.
ومنها ادراك العلاقات الحكمية ادراكا عاميا عرفيا عقلائيا، وهذا الادراك حقائقي
ومعتبر وحجة. فالتدبر ليس فقط اتعاظ و ايمان بل هو اكتساب معرفي و حقائقي. ان ما
يحصل احيانا بالتمييز بين الحقائقية التخاطبية و الحقائقية المعرفية تمييز باطل
لانه اعتمد على ادخل المصطلح والتخصص في المعرفة الشرعية. ان المعرفة الشرعية من
اولها الى اخرها ومن عمقها الى سطحها ومن ظاهرها الى خفيها كلها معرفة تخاطبية
عامية نوعية لا علاقة للتخصص بها ولا للاصطلاح، وانما تلك المعارف الاختصاصية
الاصطلاحية معارف خاصة لا شرعية وان استفيدت من النص الشرعي.
فالتدبر هو ادراك معارف نوعية عامية من النص
الشرعي واما ادراك معارف اختصاصية او اصطلاحية فهذه ليست معارف شرعية. حينما يدرك العامي معرفة شرعية ظاهرة جدا او
عميقة جدا مستندة الى فهم عرفي عقلائي عامي نوعي فان هذا التدبر والتفكر صحيح
وحجة، و حينما يدرك الاختصاصي معرفة اختصاصية و اصطلاحية عميقة او سطحية ظاهرة او
عميقة فان هذه المعرفة ليست شرعية ولا اعتبار بها في الشرع.
عامية الفقه واصطلاحية المقدمات
ان الفقهاء قبل غيرهم يعلمون ان النص الشرعي نص
عامي وان فهمه ينبغي ان يكون بالفهم العامي وان كل فهم لا يكون عاميا أي لا يكون
وفق طريقة العقلاء وعرفهم هو فهم غير صحيح. واحيانا يرى الفقهاء الحاجة الى تحديد
المفهوم و تصوير الحقيقة تصورا مضبوطا لكي لا تختلط عند الفهم ،فيضعون اصطلاحات
وهذه الاصطلاحات تتسلسل ثم تتسابك الى ان تصل حدا انها تدخل في عملية فهم النص،
ولذلك يتولد شعور ان العامي ليس بمقدرته فهم النص فهما معرفيا وان فهمه يكون فهما
سطحيا لا معرفي وغير معتبر، وهذا من الغرائب. فهنا امران متناقضان الاول الاتفاق
على ان النص و فهمه عامي أي ان بمقدر كل عامي فهم النص فهما صحيحا فالاستنتاج الذي
يؤدي الى خلاف هذه النتيجة واضح خطأه، والثانية ان الاشارة الى فهم عامي تخاطبي لا معرفي غير معتبر ليس له واقع
والصحيح ان الفهم التخاطبي العامي هو فهم معرفي وهو الحقيقة وانما يقصد بالفهم
المعرفي الحقائقي الى ذلك الوصف للمفاهيم والمعارف الذي يدخل فيه الاصطلاح ومن
الواضح ان الاصطلاح معرفة اختصاصية وليس عامية، فالمفاهيم الاصطلاحية لا قيمة لها
ولا عبرة بها في الفهم الشرعي بل ان اعتمادها يتسبب بخطأ الفهم، ومن هنا يبرز تساؤل
في جدوى وشرعية المقدمات الاصطلاحية لفهم النص الشرعي. كما ان الايغال في تخصيص
المعرفة الشرعية او ادراك معارف دقيقة لا تتصل بعالم الخطاب و الفهم هذه الادراكات
اختصاصية بحتة ليس للنص ولا للشرع ولا للعرف ولا للعامة ولا للفه علاقة بها انما
هي ادراكات ومعارف تتسع بسعة الانسانية، فليس كل ما يستفاد من النص الشرعي هو
معرفة شرعية، وانما المعرفة الشرعية هي ما يستفاد من النص الشرعية بطريقة عقلائية
عرفية عامية واضحة وغبر ذلك ليس فهما شرعيا ولا معتبرا.
العموم الشرعي
ان شمول الشريعة لكل حادثة او كل شيء بالاحكام لم
ياتي من كونها تعرضت لكل ذلك بالاسم والصراحة والشخصية وانما جاء ذلك بواسطة
عمومات تستلزم معارف فرعية تتكثر بتكثر المسائل والحوادث والاشياء. فالاصول النصية
محصورة العدد واللفظ وانما اللامتناهي و المتكثر بتكثر الاشياء هي الفروع. وذلك
العموم الشرعي قد يكون في الموضوع وقد يكون في المحمول، ولاجل تحقيق وجدان معرفي
شرعي بالعمومات لا بد من الاكثار من النظر اليها على ان تكون النظرة نظرة موضوعية
نوعية وجدانية واضحة وهذا اساسي لكي لا تدعى عمومات لا تثبت او افرادا او مصاديق
لا تصح.
الاصل في العموم التعبيري انه عموم معرفي، لكن قد
تكون هناك قرينة تخصصه، وهذه القرينة اما متصلة في نفس النص او منفصلة في نص اخر
او ان تكون اصل معرفيا ومعرفة ارتكازية. وقبل العلم بالقرينة فان العموم على عمومه
وهو حجة وصدق وبعد العلم بها يجب التعديل والعمل على وفقها ويكون ما سبقا صحيحا.
والمؤمن عليه ان يعمل بما علم حتى يتبين له غير ذلك ولا يجب عليه البحث عن مخصص
لان الاصل في الخطاب البيان والارادة.
الالتفات الى العام المحمولي مهم بقدر الالتفات
الى العام الموضوعي. ومن خلال الافراد الصحيحة للعام فانه يمكن التفرع بما يشمل جميع
المسائل.
التفرع المجموعي والتفرع الفردي
ومن هنا يكون افضل اشكال التفريع في المسائل
المستحدثة هو ذكر الاصل و ذكر الرجوع الوجداني النوعي للمضوع الجديد الى ذلك
الاصل، فيكون عموم الحكم له واضحا. واما البقول بان هناك موضوعات مستحدث ليس لها
اصل في القران والسنة فهذا قول باطل مخالف للقران والسنة، نعم هناك من لا يعرف
اصلا نصيا للموضوع المستحدث وهنا يجب التوقف وسؤال الاخرين عسى ان يكونوا عرفوا
الاصل النصي له. ومن هنا يكون التفرع الحاصل من مجموعة فقهاء ابتداء واجتماعا افضل
من جهتين الاول ضمان وجدانية ونوعية وعامية التفرع و ثانيا التعاون للوقوف على الاصل
العام للمواضيع المستحدثة لتذليل الصعوبات، وهنا ايضا يبرز الحاجة الى العالم
الولي الذي يعرف الاصول القرانية والسنية لكل موضوع. والتفرع الذي يكون بواسطة
مجموعة من الفقهاء هو التفرع المجموعي في قبال التفرع الفردي المعروف. وان اعتماد
التفرع الوجداني العامية بالتفرع المجموعي يكون من الواضح امكانية بلوغ درجات
عالية من الوثوق بتفرعات المؤمنين مهما كانت درجات تحصيلهم العلمي، لان التحصيل
العلمي هو تحصيل اصطلاحي وهو غير مطلوب في التفرع الوجداني. وبعبارة فنية انه لا
حاجة للمعارف الفقهية التخصيصية في معرفة الاحكام من الادلة حتى في المستحدثات. بل
يجب اجتناب التفرع الاصطلاحي حتى من قبل من يحصلون علوما اصطلاحي . وهنا يبرز
التساؤل حول اهمية تلك العلوم الشرعية الاصطلاحية.
التفرع الوجداني والتفرع الاصطلاحي
لا ريب ان النص الشرعي فيه حكم وبيان وصف من
الجهة الشرعية لكل شيء كان او سيكون وباي مسمى كان او أي مفهوم كان ومهما كان
طبيعة استحداثه، الا انه من الواضح ايضا ان من المسميات ما ليست مذكور صراحة في
النص، بل هذا يمتنع لان المسميات اكثر من يستوعباها نص محدد بنوح الصراحة واما
بنحو العنوان و الحكم الكلي العام المنطبق عليها فالنص الشرعي مبين لكل شيء من هذه
الجهة. وهذا ايضا يبين الاصل العرفي والعقلائي للتفرع
من النصوص الاصلية لاجل الاستيعاب الصريح لكل المسميات، ومن الممكن ايضا بيان
المفاهيم والمعاني العامة النصية الاصلية و تصنيف الاشياء بحسب تلك العمومات
وتقديمها للقارئ بهذا النحو ويجعل قاموس تفريعي للاصول العامة، بان يوضع تحت كل
عنوان عام ما يرجع اليه من فرع فردي او مصداقي فياخذ حكمه من دون تكثير المسائل و
استحداث مسائل جديدة. واما استحداث مسائل
جديدة بالتفريع فهو ايضا جائز و واقعي وحقيقي لكن يجب ان يتبع فيه الطريقة
الوجدانية في التعبير، أي لا يحول التعبير من العامية الشعبية الوجدانية الى تعبير
اصطلاحي اختصاصي لا يفهمه كل الناس. اذن لا بد من ان يكون التفرع من الاصول النصية
وفق معان وجدانية أي تسلسل و تفرع وجداني ولا يكون بين الاصل والفرع معنى اصطلاحي
لان هذا المعنى الاصطلاحي غير ثابت كما انه ليس علما شرعيا. اذن فللتفرع شكلان
تفرع وجداني وهذا فروعه تنسب الى الاصل وتعامل معاملتها لانها في الوقع شرح لما
يشمله الاصل بعومه، و النوع الثاني هو تفرع اصطلاحي وهذا لا يصح نسبته الى الاصل
ولا يصح معاملته معاملة الاصل.
النص الشرعي بين الوجدان والاصطلاح
ومن هنا كلما ابتعد الكلام عن الخصوصيات
المفاهيمية والحقائقية كان اكثر خلودا ودوما من حيث كونه نص خطاب. فالنصوص نوعان
نص عام تخاطبي يعتمد المعاني الوجدانية الشائعة ونص خاص نحليلي يعنمد المعاني الاصطلاحية
الخاصة، والنص العام الوجداني يكون صالحا لكل مكان وزمان لان الوجدان شائع و ثابت
بشكل لا يتاثر النص بالزمان والمكان الذي يعتمد معانية، واما النص الخاص الاصطلاحي
فانه لا يصلح الا لاهل الاصطلاح وهو متغير و ضيق لذلك فنصه يتاثر بالزمان والمكان.
والذي حصل في الشريعة ان النص العام الوجداني من قران وسنة جعل موضوعا للنص الاصطلاحي
الخاص ، وجعل فهم الناص العام معتمدا على الخاص، فتحول النص العام الى خاصا، وهذه
النتيجة الخطيرة فيها بعدان الاول ان هذا الانقلاب هو اعتباري افتراضي ولي حقيقي
واقعي فان للانسان المتحرر من الاصطلاح الوصول الى معاني النص الشرعي الوجدانية و
البعد الثاني ان هذا العمل لم يكن صحيا وكان الواجب اعتماد ما اعتمد النص العام من
معان عامة دونماللجوء الى مصطلحات ومعان خاصة احتاجت الى دراسة وعلم وتخصيص أي اخرجت
من الوجدان الى الاصطلاح. ان اخراج النص الشرعي من العامية الشعبية الوجدانية الى
الخاصية الاختصاصية الاصطلاحية عمل ينبغي تصحيحه، وذلك بترك وتجنب كل ما ليس له
معنى وجداني و التعبير دوما عن علوم النص الشرعي بلغة وجدانية غير اصطلاحية.
المعاني الوجدانية
ان
من اهم صفات اللغة التي تجعلها محط تقدير هو ان معانيها الوجدانية لا تتغير الا
نادرا وببطء، بل لو قلنا انها لا تتغير الا من حيث كثرة الاستعمال وقلته للألفاظ
لكان صحيحا، واما المعاني فلا يبدو انها تتغير، لان نقل المعنى اللغوي يكون
بالتواتر العظيم الذي يحقق قطعية كبيرة تصل الى مساواتها بالعيان والشهود وهذا ما
لا يمكن تغييره بسهولة، الا انه يوجد حالات تتغير فيها المعاني والمفاهيم الا انها
لا تخل بالتخاطب، لان التخاطب ليس مبنيا على المعاني فقط وانما تدخل فيه المعارف. فلو اشتهر استعمال
لفظ في معنى وكان مشهورا في غيره في زمن اخر، فانه بلا ريب سيتسبب بارباك ان لم
ينظر الى الجهة المعرفية للخطاب، أي ان النص جاء ضمن منظومة معرفية معينة، كما ان
قلة الاستعمال وهجرانه قد يؤدي الى بعض الارباك الا انه ينحل بعاملين الاول هو
البعد المعرفي للكلام فلا يحمل على معنى لا يتوافق مع معنى زمن القول، والثاني ان
هناك التفاتا دقيقا للمخاطبين للنصوص القديمة ولا يمنع ان تكون لبعض كلماتها معان مشهورة
غير ما هو متعارف عندنا، الا ان الاصل في النص انه بالمعنى الوجداني المعاصر الا ان يكون هناك علم بانه ليس كذلك أي ان
الوجدان تغير. وهناك صفة اخرى مهمة في الكلام وفهمه وهو انه في الفهم والتفهيم
يصار دوما الى معان واسعة تشمل الكثير من الابعاد المفاهيمية ولذلك مهما تغيرت
المفاهيم فان المعنى الوجداني يبقى كما هو، وحينما يكون النص عاما و شعبيا وغير اختصاصي
كما في النص الشرعي فانه يبقى دوما قريبا للنفوس وحيا و موافقا للوجدان اللغوي
لحقيقة ان صدور النص بهذه الصفة من العامية و الشعبية والوجدانية يجعلها ملازما
للوجدان وهو ما لا يتغير الا نادرا
وطفيفا.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)