لا ريب انّ كل من له أدني معرفة بقواعد اللغة
العربية يفهم آيات القرآن لأن القران جاء على درجة عالية من البيان والبساطة، كما
انّ المقاصد الكبرى في الشريعة يمكن لكل عارف باللغة تحصيلها من القران دون الحاجة
الى اي تفسير. لكن الحاجة الى التفسير حقيقية ومهمة لحقيقة ان القران ليس فقط رسالة
ذات معنى، وانما هو نظام تعاليم ومنظومة معارف، وهذا النظام متجانس ومتوافق، والتعبير
القرآني غالبا ما يستعمل اساليب بلاغية دقيقة تحتاج الى مفسر لكي يبين ان كل تلك
المعارف تقع ضمن ذلك التوافق والتجانس المعرفي. فالحاجة من التفسير ليس لبيان
الافادة المعنوية للآيات باعتبارها وحدات كلامية وانما لبيان الافادة المعرفية للآيات
باعتبارها معارف. فنحن نحتاج الى التفسير ليس لكي نعرف مدلول الآية المعنوي بل لكي
نعرف مدلولها المعرفي، فالتفسير كشف معرفي للآيات وليس كشفا معنويا، مع ان هذا ليس
مطلوبا في كل الآيات بل في قسم منها لكنه مهم وأحيانا يكون مهما جدا وأحيانا يكون اعتماد
الدلالة الظاهرية للآية خطأ مع وجود قرينة معرفية صارفه عن الظاهر لذلك دأب
المسلمون على التفسير بحيث لا يكاد يخلو عصر من مفسر لكن احيانا الاختلاف بين المفسرين الناتج عن غاية الكشف المعرفي للمعنى يرجع بأثر
عكسي على المعرفة القرآنية، وهذا الاختلاف له عوامل كثيرة لكن اهمها اعتماد الظن المعرفي
حيث ان المعارف منها ما هو علمي ومنها ما هو ظني، والواجب وما هو كفيل برفع
الاختلاف هو اعتماد المعارف الثابتة دون ظنيها في عملية الكشف المعرفي للمعنى الظاهر
وعدم الخروج عن الظاهر اللغوي للآية الا بقرينة معرفية ثابتة.